قلت: لا شك بأن الله تعالى عدَّد هذه النعم في هذه الآيات للامتنان، وأن له على عباده المنة بإعطاء هذه النعم، فلو قدّرنا قوله: ﴿لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ كلاماً تاماً لم يكن فيه ذكر نعمةٍ، ولو جعلناه متصلاً بقوله: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ﴾ كان فيه ذكر النعم فكان أولى بالامتنان، والواو كما يكون للترتيب يكون للجمع المطلق. ولو قلنا بأن: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ مرتب على الإخراج من بطون الأمهات لا يَبْعُد؛ لأن حقيقة السمع ما يسمع به، والبصر ما يبصر به حقيقة، والفؤاد ما يُعلم به، وهذه المعاني لم تكن موجودة قبل الإخراج، فكأنه جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة بعد الإخراج. وفي الآية إشارة إلى ما قلت؛ لأنه قال ﴿لَا تَعلَمُون شَيئًا﴾ ثم ذكر إعطاء الأفئدة التي هي آلة للعلم بعد ذلك، فكأنه قال: (أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تسمعون ولا تبصرون ولا تعلمون فجعل لكم سمعاً تسمعون به وأبصاراً تبصرون بها وأفئدة تعلمون)؛ لأنه لما جاز أن لا يعلم شيئاً مع وجود الفؤاد قبل الإخراج جاز أن لا يَسمَع ولا يبصر مع وجود آلة السمع والبصر، ولهذا إذا أتلف واحدٌ بصرَ الطفل يجب عليه في الشرع حُكُومة العَدْل، وكذا سائر حواسه