قلت: لعل هذا لا يصح عنه من وجوه:
أحدُها: أن إبراهيم إنما كان يُسَجِّر الأتُّون؛ ليستعين بأجرته على قوتٍ فإذا كان يأكل التراب فأي حاجة إلى إيقاد الأتُّون. فإن التراب موجود في جميع المواضع من غير إيقاد.
والثاني: أن إبراهيم كيف لم يحصل له من أجرة الإيقاد ما يشتري قوتاً.
الثالث: أن التراب أو الرماد لا يُشبع بل يمرض، فالصبر على الجوع كان أوْلَى من الصبر على الجوع والمرض بالاختيار.
الرابع: أن أكل التراب والرماد إضرار بالنفس؛ لأنه يُوَلِّد الأمراض، وليس للعبد ذلك؛ لأنه يؤدي إلى إلقاء النفس للتهلكة، والنفس ملكٌ لله تعالى، والتصرف في ملك الغير بما لا يَحل ظلم.
الخامس: يؤدي إلى العجز عن عبادة الله تعالى، وذلك غير جائز.
والسادس: أنه خلاف أفعال النبي - ﷺ - والصحابة بل كانوا يَصبرُون.
والسابع: أنه إظهار الجلادة، والقوة، والتصبر على الشدة بدليل أنهم قد نقلوه وكتبوه في الكتب فلو كتمها كان أجمل وأحسن.
والثامن: أن فِعْلَه لا يناسبُ سؤاله؛ لأنه يسأل صاحبه عن حاجته إلى الطعام ثم أكل هو التراب وذلك لا يُشبعه فكيف يُشبع صاحبه؟ فهذا كله دليل على أن النقل غيرُ صحيح.