الطمأنينة- فجهل وذهاب عمّا عليه الآيتان وما أريد بهما، وذلك أنّ الاطمئنان إنّما يكون عن ثلج القلب وشرح الصدر بمعرفة التوحيد والعلم به وما يتبع ذلك من الدرجة الرفيعة والثواب الجزيل. والوجل إنّما يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى وما يستحق به الوعيد فتوجل القلوب لذلك. فكلّ واحد من الحالين غير صاحبتها، فليس هنا «١» إذا تضادّ ولا تدافع.
وهذان المعنيان المفترقان في هاتين الآيتين قد اجتمعا في آية واحدة، وهي قوله: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ [الزمر/ ٢٣]، لأنّ هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ووثقوا به، فانتفى عنهم الشكّ، والارتياب الذي يعرض لمن كان خلافهم ممن أظهر الإسلام تعوّذا، فحصل له حكمه دون العلم الموجب لثلج الصدر «٢» وانتفاء الريب والشكّ.
وقال: «٣» الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ [الزخرف/ ٦٩] كأنّه: صدّقوا ووثقوا، ثم قال: وَكانُوا مُسْلِمِينَ؛ لأنّ بعض من يعلم صدق ما أتى به النبي صلّى الله عليه وسلّم «٤» لم يدخلوا في دينه وسلمه: كاليهود الذين علموا صدقه وجحدوه، وكفروا بما أتى به، قال: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [البقرة/ ٨٩] وقال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى [البقرة/ ١٥٩]

(١) كذا في (ط)، وفي الأصل هما، وهو تحريف.
(٢) في (ط): الصدور.
(٣) في (ط): وقال تعالى.
(٤) في (ط): النبي عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon