أن يحشر الناس ضحى- لكان ذلك مستقيما في قياس العربية.
وقد يجوز أن تجعل الحجّ: الأشهر على الاتساع، لكونه فيها وكثرته من الفاعلين له، كما جعلتها الخنساء الإقبال والإدبار لكثرتهما منها «١»، وكما قال «٢»:

لعمري وما دهري بتأبين هالك ولا جزع مما أصاب فأوجعا
ألا ترى أنّه جعل دهره الجزع. فإن قلت: إن ذات الإقبال والإدبار فاعلة في المعنى، وليس الأشهر كذلك إنّما هي مفعول فيها. فإنّ الأشهر بمنزلة الدهر في قوله: ولا جزع، أي:
وما دهري بجزع. فكما أجاز سيبويه ذلك في الدهر فكذلك
(١) الضمير في جعلتها، للناقة، وكذلك في قوله: منها، وهو يشير إلى بيت للخنساء من قصيدة لها في رثاء أخيها صخر، وتمام البيت في سياقه من الشعر (ديوانها ص ٥٠)
وما عجول على بوّ تحن له لها حنينان، إعلان وإسرار
ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت فإنّما هي إقبال وإدبار
يوما بأوجع مني يوم فارقني صخر، وللعيش إحلاء وإمرار
والعجول بالفتح الواله التي فقدت ولدها من النساء والإبل، لعجلتها في جيئتها وذهابها، والبوّ على وزن جو: هو الحوار كغراب، أي: ولد الناقة ساعة تضعه، أو إلى أن يفصل عن أمه، وهو أيضا جلد الحوار يحشى تبنا أو نحوه لتعطف عليه الناقة إذا مات ولدها، وهذا هو المراد هنا، انظر رغبة الآمل: ٨/ ١٨٥ وما بعدها.
(٢) هو متمم بن نويرة اليربوعي الصحابي، والبيت أول قصيدة له في رثاء مالك، الذي قتله ضرار بن الأزور الأسدي في حرب الردة بأمر خالد بن الوليد، انظر القصيدة في المفضليات: برقم ٦٧ والبيت من شواهد سيبويه ١/ ١٦٩ قال الأعلم: يقول: لا أرثي بعده هالكا أو لا أبكي عليه، ولا أجزع من شيء يصيبني بعده، والتأبين مدح الرجل ميتا، والتقريظ مدحه حيا.


الصفحة التالية
Icon