وحجة من قرأ: (يخدعون) أن فاعل هنا بمعنى فعل فيما فسره أهل اللغة، فإذا كانا جميعا بمعنى، وكان فعل أولى بفعل الواحد من فاعل من حيث كان أخص به، كان الأولى أليق بالموضع من فاعل الذي هو في أكثر الأمر أن يكون لفاعلين إذ كانوا قد استعملوهما جميعا، ولم يكن خادع بمنزلة عاقبت اللص الذي لم يستعمل فيه إلا فاعل ورفض معه فعل.
ويدل على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى «١» في الآية الأخرى في صفة المنافقين أيضا: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ [النساء/ ١٤٢]، فكما وقع الاتفاق هنا على فاعل الجاري على فعل كذلك يكون في قوله تعالى: وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ.
ولمن قرأ (يخادعون) وجه آخر، وهو أن ينزل ما يخطر بباله ويهجس في نفسه من الخدع منزلة آخر يجازيه ذلك ويقاوضه «٢» إياه، فعلى هذا يكون الفعل كأنّه من اثنين، فيلزم أن يقول: «٣» فاعل، وهذا في كلامهم غير ضيق، ألا ترى الكميت أو غيره قال في ذكره حمارا أراد الورود:

تذكّر من أنّى ومن أين شربه يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل
«٤»
(١) تعالى زيادة في (م).
(٢) في (م): يجاريه ذلك ويفاوضه.
(٣) في (ط): أن يقول فيه.
(٤) يؤامر نفسيه، أي: يشاور نفسه مترددا بين ورود الماء أو تركه، فكأنه يشاور نفسين إحداهما تريد الورود والأخرى تأباه، والهجمة الجماعة الضخمة من الإبل، وقيل: هي ما بين الثلاثين والمائة، أو ما بين السبعين


الصفحة التالية
Icon