ومما يبيّن أن الكذب في هذه الأشياء التي ليست من القول على ما تأولنا قول الأعشى:

إذا ما الآثمات ونين حطّت على العلّات تجتزع الإكاما
«١» قالوا: الآثمات: البطاء اللواتي لا يصدقن في السير، فهذا يدلك على صحة ما ذكرناه في قولهم: حمل فلم يكذّب، وكذب عليك الحجّ، وكذب عليكم العسل، ألا ترى أن الإثم كالكذب كما أن البر كالصدق؟
قال أبو علي: حجة من قال: يَكْذِبُونَ [البقرة/ ١٠]- بفتح الياء وتخفيف الذال، أن يقول: إن ذلك أشبه بما قبل الكلمة وبما بعدها، فالذي قبلها مما يدل على الكذب ويكذبون- قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة/ ٨].
فقولهم: آمنا بالله كذب منهم، فلهم عذاب أليم بكذبهم.
هذا الذي تقدم قولهم له وحكايته عنهم.
وما بعدها قوله تعالى: «٢» وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة/ ١٤].
فقولهم- إذا خلوا إلى شياطينهم- إنا معكم دلالة على
(١) حط: انحدر من أعلى إلى أسفل، والبعير: اعتمد في الزمام على شقيه.
والعلات: الحالات المختلفة. والإكام: المرتفعات من الأرض، المفرد أكمة. انظر الديوان: ١٩٧.
(٢) في (ط): قوله بدون تعالى.


الصفحة التالية
Icon