يا صالِحُ ائْتِنا «١» ولم يأخذ به في الاستئناف. فإن قلت: فهل يلزم أبا عمرو في قراءته: يا صالِحُ ائْتِنا أن يقرأ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي [التوبة/ ٤٩] فيشمّ الضمة نحو الكسرة.
فالقول: إن ذلك لا يلزم، لأنّ هذا الإشمام والإمالة بالضمة نحو الكسرة إنّما جاء فيما ليس بحركة إعراب، والضمة في يقول ضمة إعراب، والتي في يا صالِحُ ائْتِنا وإن كانت مشابهة لحركة الإعراب فهي حركة بناء، فلا يلزم ذلك في قوله تعالى: «٢» وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي.
ومما يدلّك على أنّ هذه التحريكة قد صارت أمارة لبناء الفعل للمفعول به وأنّها مما يختصّ به الفعل أنّك لو سميت بمثل قيل وبيع شيئا وخلعت منه الضمير إن كان فيه لأخلصت الكسرة فقلت: قيل وبيع، فدلّ هذا من مذهب سيبويه على أن هذه الحركة أمسّ عنده بالفعل، وأشد لزوما له من الأمثلة التي تختص بالفعل، ولا تكون في الاسم نحو: ضرب وضورب وضرّب: ألا ترى أنّك لو سميت بشيء من ذلك مجردا من الضمير لم تغيره عن بنائه إلى ما يختص الاسم وقد رأى تغيير هذه الحركة وإخلاصها كسرة.
ومما يقوي قول من قال: قيل أن هذه الضمة المنحوّ بها نحو الكسرة قد جاءت في نحو قولهم: شربت من المنقر، «٣»

(١) عبارة سيبويه: «وزعموا أنّ أبا عمرو قرأ: يا صالحيتنا، جعل الهمزة ياء، ثم لم يقلبها واوا. الكتاب: ٢/ ٣٥٨.
(٢) تعالى زيادة في (ط).
(٣) قال سيبويه: «وشربت من المنقر. والمنقر: الركية الكثيرة الماء. انظر الكتاب: ٢/ ٢٧٠.


الصفحة التالية
Icon