على المعنى فيستقيم أن تكون الفاء جزاء. وذلك أنّ معنى «١»:
(إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) ومعنى: إنّ الذي تفرون منه من الموت واحد، فكما يصحّ الجزاء في هذا الاسم كذلك يصحّ فيما كان بمعناه.
ألا ترى أنّك قد جازيت حيث كانت الصلة ظرفا لمّا كان الظرف متضمّنا لمعنى الفعل؟ كقوله: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النمل/ ٥٣] ودخلت الفاء في الخبر، كما دخلت في الصلة، والصلة فعل محض، وكل ذلك حمل على المعنى، لأنّ الجزاء المحض لا يكون بالظرف، ولذلك قال سيبويه: إنّ عندك ونحوه لا يبنى على إن. فأمّا دخول معنى الجزاء في الآية وصحته، فعلى أن ينزل الكلام كأنه خوطب به من ظنّ أنّ فراره من الموت ينجيه، وقد جاء الجزاء المحض في ذلك، قال الشاعر:

ومن هاب أسباب المنيّة يلقها ولو رام أسباب السماء بسلّم
«٢» فإذا جاز في الجزاء المحض في البيت فكذلك تكون الآية، والتصحيح لمعنى الجزاء في ذلك قول محمد بن يزيد «٣». فإن قلت: فهلّا استدللت بعمل إنّ في الاسم على أن
(١) في (ط): معنى الجزاء.
(٢) هو من معلقة زهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٣٠ برواية:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو نال أسباب السماء بسلم
وانظر المعلقات/ ٨٧ وجمهرة أشعار العرب/ ١١٠.
(٣) هو أبو العباس محمد بن يزيد المبرد تلميذ المازني وأبي حاتم السجستاني، وإمام نحاة البصرة في زمنه، وقرين أحمد بن يحيى ثعلب إمام أهل الكوفة، وكان يفضل عليه بحسن العبارة وفصاحة اللسان، ولد


الصفحة التالية
Icon