والوجه الثالث: أن يؤخّر العمل بالتأويل لأنه نسخ «١» ويترك خطّه مثبتا وتلاوته قرآن يتلى، وهو ما حكي عن مجاهد أنّه قال: يثبت خطّها ويبدل حكمها. وهذا نحو قوله: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ، فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا [الممتحنة/ ١١] فهذا مثبت اللفظ مرفوع الحكم.
وأما من قرأ نُنْسِها من النسيان فإنّ لفظ (نسي) المنقول منه أنسي على ضربين: أحدهما أن يكون بمعنى الترك، والآخر: النسيان الذي هو مقابل الذكر، فمن الترك قوله:
نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة/ ٦٧] أي: تركوا طاعة الله فترك رحمتهم، أو ترك تخليصهم. وإضافة الترك إلى القديم سبحانه في نحو هذا اتساع. كقوله «٢»: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة/ ١٧] وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الكهف/ ٩٩] أي: خلّيناهم وذاك.
وقال جويبر عن الضحّاك في قوله: الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا [الجاثية/ ٣٤] قال: اليوم نترككم في النار كما تركتم أمري.
فأمّا قوله «٣»: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا [البقرة/ ٢٨٦] فقوله نَسِينا يحتمل الوجهين: يجوز أن يكون من النسيان الذي هو خلاف الذكر، والخطأ: من الإخطاء الذي

(١) في (ط): ينسخ.
(٢) في (ط): كقوله عز وجل.
(٣) في (ط): قوله عز وجل.


الصفحة التالية
Icon