ومن ذلك قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ، قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ، قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً [الزمر/ ٤٣ - ٤٤] فهذا مثل قوله: وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس/ ١٨]. وقوله: «١» قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً معناه: «٢» في الآخرة. وإنما نسبت الشفاعة إليه سبحانه إبطالا لشفاعة من ادّعيت شفاعتهم لهم من الآلهة، ونفيا لها، وإعلاما أن الملائكة في الآخرة لا يشفعون إلا لمن أذن لهم في الشفاعة له، فنسبت الشفاعة إلى الله لمّا لم تكن إلا بأمره وإذنه فيها، وإن كانت الملائكة فاعليها في الحقيقة، فأما في الدنيا فقد تكون الشفاعة لغير الله. والضمير في (منها) من قوله: ولا تقبل منها عائد إلى نفس على اللفظ، وفي «٣» قوله: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ على المعنى، لأنه ليس المراد المفرد فلذلك جمع.
فأما حجة من قال: ولا تقبل فألحق علامة التأنيث، فهي أنّ الاسم الذي أسند إليه هذا الفعل مؤنّث، فيلزم أن يلحق المسند أيضا علامة التأنيث، ليؤذن لحاق العلامة بتأنيث
الاسم، كما ألحق الفصل حيث ألحق، ليؤذن بأنّ الخبر معرفة أو قريب من المعرفة «٤».
ومما يقوي ذلك أن كثيرا من العرب إذا أسندوا الفعل إلى المثنى أو المجموع، ألحقوه علامة التثنية أو الجمع كقوله «٥»:

(١) في (ط): وقوله تعالى.
(٢) في (ط): فهذا معناه الشفاعة في الآخرة.
(٣) في (ط): في.
(٤) في (ط): قريب منها.
(٥) قطعة من بيت لعمرو بن ملقط وتمامه:
ألفيتا عيناك عند القفا أولى فأولى لك ذا واقيه
وهو الإنشاد ٥٩٩ من قصيدة أوردها البغدادي في شرح أبيات المغني ٢/ ٣٦١.


الصفحة التالية
Icon