إنّما يريد تشديد انتفاء قوته عنه، وتكثيره، ويبين هذا المعنى قول الفرزدق «١»:

وكلّ رفيقي كلّ رحل وإن هما تعاطى القنا قوماهما أخوان
فرفيقان اثنان لا يكونان رفيقي كلّ رحل، وإنما يريد الرفقاء إذا كانوا رفيقين رفيقين.
ومن نوّن فقال: من كل زوجين اثنين فحذف المضاف من كلّ، ونوّن، فالمعنى: من كلّ شيء ومن كلّ زوج زوجين اثنين، فيكون انتصاب اثنين على أنه صفة لزوجين. فإن قلت:
فالزوجان قد فهم أنّهما اثنان، فكيف جاز وصفهما بقوله:
اثنين، فإنّ ذلك إنّما جاء للتأكيد والتشديد كما قال: لا تتخذوا إلهين اثنين [النحل/ ٥١]، وقد جاء في غير هذا من الصفات ما مصرفه إلى التأكيد، كمن قرأ: نعجة أنثى، وكقولهم: أمس الدابر، وأمس المدبر، وقوله: نفخة واحدة [الحاقة/ ١٣]، وقد علم من النفخة أنها واحدة. وقال: ومناة الثالثة الأخرى [النجم/ ٢٠].
ومثل هذا في أنّه حمل مرة على الإضافة، وأخرى على التنوين قوله: وآتاكم من كل ما سألتموه [إبراهيم/ ٣٤] ومن كل ما سألتموه. فمن أضاف كان المفعول محذوفا تقديره: من كلّ مسئول شيئا، أو مسئولا ونحو ذلك، ومثل ذلك: يخرج لنا مما تنبت الأرض [البقرة/ ٦١] أي: شيئا، فحذف المفعول،
(١) ديوانه/ ٨٧٠ وانظر شرح أبيات المغني للبغدادي ٤/ ٢٠٨.


الصفحة التالية
Icon