معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء/ ١٥]، والمعنى، والله أعلم: ما كنّا معذّبين عذاب الاستئصال، ومثلها: وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا [القصص/ ٥٩] كأن حجة العقل لا يستأصل بها إذا انفردت، ولم يؤخذ بها حتى يقع التنبيه عليها بالرسل، فإذا جاءت الرسل، فاقترحت عليهم الآيات، فلم يقع الإيمان عند مجيئها؛ عذّب حينئذ عذاب الاستئصال، قال: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون [الإسراء/ ٥٩]، فأخذوا بالاستئصال، فلو أتيناكم أنتم بالآيات التي اقترحتموها من نحو أن ننزّل عليكم كتابا من السّماء، أو نفجّر من الأرض ينبوعا، ونحو ذلك مما اقترحوا، فلم يؤمنوا؛ لمضى فيكم سنّة الأولين في امتناعهم من الإيمان، عند مجيء تلك الآيات، ومن ذلك قوله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم [الأنفال/ ٣٣]، أي: ليعذبهم عذاب الاستئصال، لأنّ أمم الأنبياء إذا أهلكوا، لم يكن أنبياؤهم فيهم، وعلى هذا قال: وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون [الدخان ٢١]، وقال: فأسر بأهلك بقطع من الليل [هود/ ٨١]، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [الأنفال/ ٣٣] أي: ومؤمنوهم يستغفرون ويصلّون، وما لهم ألا يعذبهم الله [الأنفال/ ٣٤] أي:
بالسيف في صدّهم عن المسجد الحرام المسلمين من غير أن تكون لهم عليهم ولاية، وذلك لما منعوا عنه، فقال: هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام [الفتح/ ٢٥].
فأمّا قراءة من قرأ: من عذاب يومئذ فكسر الميم فلأن يوما اسم معرب، أضيف إليه ما أضيف من العذاب، والخزي


الصفحة التالية
Icon