«أنه لشارب حلّ وبلّ»
«١» أي: مباح له غير محظور عليه، ولا ممنوع منه، والحلّ والحلال في المعنى مثل المباح، فهو خلاف الحظر والحجر والحرام، والحرم، فهذه الألفاظ معناها المنع، وهي خلاف الحلّ والحلال الذي هو الإباحة والتوسعة، والإباحة: من باح بالسر والأمر يبوح به، إذا لم يجعل دونه حظرا، والمحلّ خلاف المحرم، فمعنى يحلّ عليكم: ينزل بكم وينالكم بعد ما كان ذا حظر وحجر ومنع عنكم. ويبين ذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم: حلّ عليه أمر الله يحلّ، والأمر قد جاء في التنزيل يراد به العذاب، قال: أتى أمر الله فلا تستعجلوه [النمل/ ١] فهذا يعنى به العذاب لقوله: يستعجلونك بالعذاب [العنكبوت/ ٥٤] وقال: أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا [يونس/ ٢٤] ويقوّي ذلك قوله: ويحل عليه عذاب مقيم [هود/ ٣٩] أي: ينزل به بعد أن لم يكن كذلك، ولم يختلفوا في هذا الحرف فيما زعموا، وهذا بمنزلة قوله: أن يحل عليكم غضب من ربكم [طه/ ٨٦] في أنه يحلّ بالكسر.
ووجه من قال: (يحلّ عليكم غضبي) أنّ الغضب لما كان يتبعه العقوبة والعذاب جعله بمنزلة العذاب فقال: يحلّ أي: ينزل، فجعله بمنزلة قولهم: حلّ بالمكان يحلّ، وعلى هذا جاء: تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم [الرعد/ ٣١] فكما أن هذا عذاب، فأخبر عنه بأنّه يحلّ، كذلك أخبر عن الغضب بمثله، فجعله بمنزلته لأنه يتبعه ويتصل به.

(١) انظر النهاية لابن الأثير ١/ ١٥٤ ونصه:
«هي لشارب حل وبل»
البل: المباح. وقيل الشفاء. من قولهم: بلّ من مرضه وأبل. وبعضهم يجعله اتباعا لحلّ، ويمنع من جواز الإتباع الواو.


الصفحة التالية
Icon