والبادي فيه سواء، أي: ليس أحدهما بأحقّ به من صاحبه، واستواء العاكف والبادي فيه دلالة على أن أرض الحرم لا تملك، ولو ملكت لم يستويا فيه، وصار العاكف فيها أولى بها من البادي بحقّ ملكه، ولكن سبيلها سبيل المساجد التي من سبق إليها كان أولى بالمكان لسبقه إليها، فسبيله سبيل المباح الذي من سبق إليه كان أولى به.
ومن نصب فقال: (سواء العاكف) أعمل المصدر عمل اسم الفاعل، فرفع العاكف فيه كما يرفع بمستو، ولو قال: مستويا فيه العاكف والبادي فرفع العاكف فيه بمستو، فكذلك يرفعه بسواء، والأكثر الرفع في نحو هذا، وأن لا تجعل هذا النحو من المصدر بمنزلة اسم الفاعل في الإعمال. ووجه إعماله أن المصدر قد يقوم مقام اسم الفاعل في الصفة نحو: رجل عدل فيصير عدل كعادل، وقد كسر اسم المصدر تكسير اسم الفاعل في نحو قوله «١»:
فنوّاره ميل إلى الشمس زاهره فلولا أن النون كاسم الفاعل لم يكسره تكسيره، وكذلك قول الأعشى «٢»:

(١) عجز بيت للحطيئة من قصيدة يهجو بها الزبرقان وصدره في ديوانه ١٨٠:
بمستأسد القريان حوّ تلاعه ويروى حوّ نباته، أي: عاف نباته. يقال: استأسد النبت، إذا طال وأتم، والقريان: مجاري الماء إلى الرياض، والحو: التي اشتدت خضرتها حتى ضربت إلى السواد ومعناه: كل نور إذا طلعت عليه الشمس استقبلها ثم دار معها حيث تدور. وانظر اللسان (ميل).
(٢) عجز بيت للأعشى وصدره:
وليتك حال البحر دونك كلّه والسوائل: جمع سائل وهو السيل. انظر ديوانه/ ١٨٣.


الصفحة التالية
Icon