قال سيبويه: من قال: (والخامسة أن غضب الله) فمعناه عنده: أنّه غضب الله عليها، ولا تخفّف في الكلام أبدا وبعدها الأسماء إلّا وأنت تريد الثقيلة على إضمار القصّة فيها «١»، وكذلك قوله: أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ ١٠] فيمن خفّف وعلى هذا قول الأعشى:
.. قد علموا أن هالك كلّ من يحفى وينتعل «٢» وإنّما خفّفت الثقيلة المفتوحة على إضمار القصّة والحديث، ولم تكن كالمكسورة في ذلك، لأنّ الثقيلة المفتوحة موصولة، والموصول يتشبّث بصلته أكثر من تشبّث غير الموصول بما يتصل، فلم يخفّف إلّا على هذا الحدّ، ليدلّ على اتصالها بصلتها أشدّ.
وأمّا قراءة نافع (أن غضب الله) فإنّ (أن) فيه المخفّفة من الثقيلة، وأهل العربية يستقبحون «٣» أن تلي الفعل حتى يفصل بينها وبين الفعل بشيء، ويقولون: استقبحوا أن تحذف ويحذف ما تعمل فيه، وأن تلي ما لم تكن تليه من الفعل بلا حاجز بينهما، فتجتمع هذه الاتساعات فيها، فإن فصل بينها وبين الفعل بشيء لم يستقبحوا ذلك كقوله: علم أن سيكون منكم مرضى [المزمل/ ٢٠] و: أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا [طه/ ٨٩] و: علمت أن قد قام. وإذا فصل بشيء من هذا النحو بينه وبين الفعل زال بذلك أن تلي ما لم يكن حكمها أن تليه. فإن قيل: فقد جاء: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [النجم/ ٣٩] وجاء: نودي أن بورك من في النار ومن حولها

(١) سيبويه ١/ ٤٨٠ مع اختلاف طفيف في العبارة.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ١٢٨ وانظر الحجة ٣/ ٤٣٧
(٣) في الأصل فيستقبحون، وكأنه على توهم: أما أهل العربية.


الصفحة التالية
Icon