والمعنى: تسقي نخيل جنّة، يدلّك على ذلك أنّ السّحق لا يخلو من أن يكون صفة للنّخيل المرادة، أو للجنّة. فلا يجوز أن تكون من صفة الجنّة، لأنّ السّحق جمع سحوق، وإنّما يوصف بها النخيل إذا بسقت، فكأنه سمّى الأرض ذات النخيل جنّة، ولم يذكر أنّ فيها غيرها، فكما أنّ الجنّة تكون من النخيل من غير أن يكون فيها شيء آخر غيرها، كذلك تكون الكروم وإن لم يكن فيها غيرها، فهذا وجه قول من قطع قوله:
وزرع من إعراب ما قبله.
فأمّا من قرأ: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان) فإنه حمل الزرع والنخيل على الأعناب، كأنه: جنات من أعناب، ومن زرع ومن نخيل. والدّليل على أنّ الأرض إذا كان فيها النخل والكرم والزرع، سمّيت جنّة، قوله: جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب، وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا [الكهف/ ٣٢]، فكما سميت الأرض ذات العنب والنخل والزرع جنّة، كذلك يكون في قول من قرأ: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل) أن يكون الزرع والنخيل محمولين على الأعناب، فتكون الجنّة من هذه الأشياء، كما كانت منها في الآية الأخرى، ويقوّي ذلك أيضا قوله «١»:

أقبل سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الجنّة المغلّة
(١) أمالي ابن الشجري ٢/ ١٦ معاني القرآن للفراء ٣/ ١٧٦، الخزانة ٤/ ٣٤١ واللسان (حرد- أله). وقوله: يحرد: يقصد.


الصفحة التالية
Icon