القول في ذلك أنّ ما أصاب من قوله: ما أصاب من مصيبة يحتمل أمرين: يجوز أن يكون صلة ما*، يجوز أن يكون شرطا في موضع جزم، فمن قدّره شرطا لم يجز حذف
الفاء فيه على قول سيبويه، وقد تأول أبو الحسن، بعض الآي على حذف الفاء في جواب الشرط، وقال بعض البغداديين: حذف الفاء من الجواب جائز، واستدلّ على ذلك بقوله: وإن أطعتموهم إنكم لمشركون [الأنعام/ ١٢١]. وإذا كان صلة فالإثبات والحذف جائزان على معنيين مختلفين، أمّا إذا أثبت الفاء ففي إثباتها دليل على أنّ الأمر الثاني وجب بالأوّل، وذلك نحو قوله: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار [البقرة/ ٢٧٤] ثمّ قال: فلهم أجرهم عند ربهم [البقرة/ ٢٧٤] فثبات الفاء يدلّ على أنّ وجوب الأجر إنّما هو من أجل الإنفاق، ومثل ذلك قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ ٥٣] فإذا لم يذكر الفاء جاز أن يكون الثاني وجب للأوّل، وجاز أن يكون لغيره، والأولى إذا كان جزاء غير جازم أن تثبت الفاء كقوله: ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك [النساء/ ٧٩]، وهذا قريب في المعنى من قوله: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا [الروم/ ٤١] أي جزاء بعض ذلك، وليس ما للحسنة والسيّئة المذكورتين هنا المكتسبتين، وإنّما يراد بهما الشّدّة والرّخاء، كما قال: فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه، وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه [الأعراف/ ١٣١] وكقوله: إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا [التوبة/ ٥٠] فهذا كما حكي عنهم من قولهم: وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء [الأعراف/ ٩٥].


الصفحة التالية
Icon