غير هذه، وهي التي دلّ عليه قوله: وحيا لأنّ أن يوحي والوحي قد يكونان بمعنى، فلمّا كان كذلك حملت يرسل من قوله أو يرسل رسولا على أن* هذه التي دلّ الوحي عليها، فصار التقدير: ما كان لبشر أن يكلّمه الله إلّا أن يوحي وحيا، أو يرسل رسولا فيوحي، ويجوز في قوله: إلا وحيا أمران: أحدهما: أن يكون استثناء منقطعا، والآخر أن يكون حالا، فإن قدّرته استثناء منقطعا لم يكن في الكلام شيء يوصل بمن، لأنّ ما قبل الاستثناء لا يعمل فيما بعده، ولذلك حملوا قول الأعشى:
ولا قائلا إلّا وهو المتعيّبا «١» على فعل آخر، وإنما لم يستجيزوا ذلك، لأنّ حرف الاستثناء في معنى حرف النفي، ألا ترى أنّك إذا قلت: قام القوم إلّا زيدا، فالمعنى قام القوم لا زيد؟ فكما لا يعمل ما في قبل حرف النفي فيما بعده، كذلك لم يعمل ما قبل الاستثناء إذا كان كلاما تامّا فيما بعده، إذ كان بمعنى النفي، وكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد إلّا فيما قبلها نحو: ما أنا الخبز إلّا آكل، كما لم يعمل ما بعد حرف النفي فيما قبله، فإذا كان كذلك لم يتصل الجارّ بما قبل إلّا، ويمنع أن يتصل به الجار من وجه آخر، وهو أن قوله: أو من وراء حجاب [الشورى/ ٥١] في صلة وحي الذي هو بمعنى أن يوحي فإذا كان كذلك لم يجز أن يحمل الجارّ الذي هو من في قوله: أو من وراء حجاب على أن يرسل، لأنّه يفصل بين الصّلة والموصول بما ليس منها، ألا ترى أنّ

(١) عجز بيت للأعشى صدره:
وليس مجيرا إن أتى الحيّ خائف انظر ديوانه/ ١١٣.


الصفحة التالية
Icon