فالميت والميّت بمعنى، كما أن سيدا وسيّدا، وطيبا وطيّبا كذلك، وكما أنّ هارا وهائرا بمعنى، كذلك التشديد في ميت في المعنى كالتخفيف، وممّا يدلّ على ذلك قول الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميّت الأحياء «١» فأوقع المخففة والمشددة على شيء واحد، وكذلك قوله:
ومنهل فيه الغراب ميت «٢» لو شدّد لجاز.
فأمّا الفاء في قوله: فكرهتموه [الحجرات/ ١٢] فعطف على المعنى، كأنّه لمّا قيل لهم: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا قالوا: لا، فقيل لهم لما قالوا لا: فكرهتموه، أي: كرهتم أكل لحمه ميتا، فكما كرهتم أكل لحمه ميتا فكذلك فاكرهوا غيبته.
وقوله: واتقوا الله [الحجرات/ ١٢] معطوف على هذا الفعل المقدّر، ولا يكون قوله: فكرهتموه بمعنى فاكرهوه واتقوا الله: لأنّ لفظ الخبر لا يوضع للدعاء في كلّ موضع، ولأنّ قوله: فكرهتموه محمول على المعنى الذي ذكرناه، فمعنى الخبر فيه صحيح.

(١) البيت لعدي بن رعلاء الغسّاني. من أصمعية ص ١٥٢، وهو من شواهد البغدادي في شرح أبيات المغني ٣/ ١٩٧ و ٧/ ١٦، وأمالي ابن الشجري ١/ ١٥٢، عن الفارسي في الحجّة.
(٢) انظر ابن الشجري ١/ ١٥٢ ونقله عن أبي علي في الحجّة.


الصفحة التالية
Icon