علماً أَنَّ الأَقانيمَ الثلاثةَ هي ثلاثُ ذواتٍ مُنفصلَة، فالآبُ عندهم هو الله،
والابنُ عندَهم هو عيسى، والروحُ القُدُسُ هو جبريلُ عليه السلام -، فكيف صارَتْ هذه الذواتُ والشخصياتُ المتباينةُ إِلهاً واحداً جامعاً؟!.
وزَعَمَ الفادي المفترِي أَنَّ القرآنَ يقولُ بالثالوث المقَدَّس مثلُ الإِنجيل،
والثالوثُ القرآنيُّ هو: اللهُ وكلمتُه وروحُه!!.
وأَينَ وردَتْ هذه الكلماتُ الثلاثُ بهذا اللفظِ في القرآن؟
إِنّ الفادي كاذبٌ مُفْتَرٍ مُدَّع.
قالَ اللهُ في القرآن: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ).
لا تتكلمُ الآيةُ عن ثلاثةِ أَقانيم، وإِنما تُبطلُ الأَقانيمَ الثلاثة، وتَذْكُرُ
حقيقةَ عيسى ابنِ مريمَ - عليه السلام -.
وتَصِفُه بثلاثِ صِفات:
الأُولى: أَنَّهُ رسولُ الله: جعلَه اللهُ نبيّاً رَسولاً، وأَرسلَه إِلى بني إِسرائيل.
الثانية: أَنَّهُ كلمةُ الله: (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ).
ومعنى كونِ عيسى - عليه السلام - كلمةَ اللهِ: أَنَّ اللهَ خَلَقَه بكلمةِ " كُنْ " الكونيةِ التكوينيّة، التي يَخْلُقُ بها سبحانَه جميعَ المخلوقين.
وهي الكلمةُ التي خَلَقَ بها أَبا البشر آدم - عليه السلام -،
وقد أَشارَ لها في قولِه تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩).
أَيْ: أَنَّ اللهَ خَلَقَ عيسى بكلمتِه " كُنْ "، فكانَ كما أَرادَ الله، كما خَلَقَ آدمَ بكلمتِه " كُنْ "، فكانَ كما أَرادَ الله!.
أَلْقى اللهُ العظيمُ كلمتَهُ " كُنْ " إِلى مريم، فكانت المخلوقَ عيسى
الرسولَ - عليه السلام -، حيثُ تَخَلَّقَ عيسى في رحمِها، ولما نفخَ اللهُ فيه الروح، وضعَتْه مولوداً بشراً.
وكلُّ المخلوقاتِ يخلُقُها اللهُ العظيمُ بكلمتِه " كن "، التي خَلَقَ بها
عيسى - عليه السلام -، وجاءَ هذا صَريحاً في قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢).


الصفحة التالية
Icon