وليس غريباً أَنْ يأتيَ الإِسلامُ بتلك الأَحكامِ والتشريعات، وأَنْ يكونَ
مُصَدِّقاً لها، لأَن اللهَ بعثَ إِسماعيل - عليه السلام - رسولاَ، كما بَعَثَ محمداً - ﷺ - رسولاً، فالشريعةُ التي جاءَ بها إِسماعيلُ هي من عندِ الله، والشريعةُ التي جاء بها محمدٌ - ﷺ - هي من عندِ الله أَيضاً، والشرائعُ التي بَعَثَ اللهُ بها الرسلَ يُصَدِّقُ بعضُها بعضاً، مع أَنَّ كُلَّ شريعةٍ قد تختصُّ بما لم يوجَدْ بالشرائعِ قبلَها.
وقد جاءَ عيسى مُصَدِّقاً لما جاءَ به موسى قبلَه، عليهما الصلاة والسلام،
قال تعالى: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ).
وجاءَ القرآنُ مُصَدِّقاً وموافقاً لما سَبَقَه من الكتبِ الربانية، فيما لم يُحَرَّفْ
منها، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ).
وكونُ القرآنِ مُصَدِّقاً للتوراةِ والإِنجيلِ ليس معناهُ أَنه أَخَذَ حَقائِقَه
وأَحكامَه منهما، ولا يقولُ هذا إِلَّا جاهل متحامل مثلُ هذا الفادي المفترِي.
وكونُ الإِسلامِ موافِقاً لشريعةِ إِسماعيل - عليه السلام - لا يَعني أَنَّ محمداً " - عليه السلام - أَخَذَ رسالتَه من العربِ الجاهليّين، كما قالَ هذا المفترِي، إِنما يَعني توافُقَ الرسالتَيْن والشريعتَيْن: رسالةِ إِسماعيلَ وشريعتِه، مع رسالةِ محمدٍ وشريعتِهِ، عليهما الصلاة والسلام، لأنهما من عند الله.
ثالثاً: ما أخذه عن اليهود:
ادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ التوراةَ وأَسفارَ العهدِ القديمِ كانت أَحَدَ مصادرِ
القرآن، وأَنَّ الرسولَ - ﷺ - أَخَذَ القصصَ الكثيرةَ التي سَجَّلَها في القرآنِ عن أَسفارِ العهدِ القديم!! وهذا يَعني أَنها كانَتْ بينَ يَدَيْه، يقرأُ فيها ويَختارُ منها، ويَنقلُ عنها، ويَنسبُها إِلى الله! وما كان الرسولُ - ﷺ - قارئاً ولا ناقلاً ولا كاتباً.
وأَشارَ اللهُ إِلى أُمّيَّتِه الدالةِ على نبوَّتِه ورسالتِه، فقالَ تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨).