إِنَّ وجودَ فروقٍ بينَ حديثِ القرآن وحديثِ التوراةِ عن قَصَصِ السابقين
دليلٌ على أَنَّ القرآنَ وحيٌّ من عند الله، ولو كانَ من تأليفِ محمدٍ - ﷺ - لَنَقَلَ كُلَّ ما وَجَدَهُ أَمامَه، سواء كانَ خَطَأً أَوْ صَواباً.
وأَشارَ القرآنُ إِلى هذهِ الحقيقة، واعتبرَ ذِكْرَ أَحداثِ القصةِ في القرآنِ
دليلاً على أَنه من عندِ الله.
قال تعالى في خاتمةِ قصةِ نوح في سورةِ هود:
(تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا).
وقالَ في خاتمةِ قصةِ يوسف: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢).
وقالَ في حديثِه عن قصةِ موسى: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ).
ومن مُغالطاتِ الفادي المفترِي أَنه أَرادَ أَنْ يَجعلَ القرآنَ نفسَه شاهداً
على أَنه مأخوذٌ من التوراة، فَذَكَرَ قولَه تعالى: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)، شاهداً على ذلك.
قَطَعَ الآيةَ عن سياقِها ليُسيءَ الاستدلالَ بها، وهي واردةٌ في سياقِ آياتٍ
تتحدَّثُ عن مصدرِ القرآن، وتَجزمُ بأَنه من عندِ الله.
قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٩٧).
وليس معنى قوله: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) أَنَّ مادةَ هذا القرآن مأخوذةٌ من
زُبُرِ الأَوَّلين، وكتبِ الأَنبياءِ السابقين، كالتوراةِ والزبور والإِنجيل، ولكن
معناها أَنَّ القرآنَ مُصَدِّقٌ للكتبِ الربانيةِ السابقة، المنزَّلَةِ على الأَنبياءِ السابقين،


الصفحة التالية
Icon