قال تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (٤).
والذي أَثارَ اعتراضَ الفادي إِسنادُ القلوبِ للاثنَتَيْن: حفصةَ وعائشةَ رعِيهنما: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا).
وإذا كان لكلِّ واحدةٍ قلبٌ واحد، فكان المتوقَّعُ أَنْ يُعَبِّرَ بالمثنى، فيقول: فقد صَغَا قَلْباكما! ولذلك خَطَّأَ الفادي القرآن؟
لأَنه ذَكَرَ الجمعَ بَدَلَ المثَنّى!.
وحكمةُ العُدول عن المثنى إلى الجمع: (قُلُوُبكُمَا) هي الرغبةُ في
التخفيف والتسهيل، وكراهةُ اجتماعِ مُثَنَّيَيْن، فلو قالَ: " قلباكما " لاجتمعَ مُثَنَّيان: الاسْمُ البارزُ " قَلْبا "، وضميرُ التثنيةِ ص المضافُ إِليه " كُما ".
والكلمةُ ثَقيلةٌ في النطق، وثَقيلةٌ على الأُذُن، فَعَدَلَ إِلى الجَمْع (قُلُوبُكُمَا) طَلَباً للخِفَّة.
والقاعدةُ النحويةُ تُقَرِّرُ أَنه إِذا أُضيفَ المثَنَّى إِلى المثَنّى، فإِنَّ المثَنى
الأَوَّلَ المضافَ يَصيرُ جَمْعاً للتخفيف: تقول: قلوبُكما، بَدَل: قَلْباكُما.
وتقول: بيوتُكُما، بَدَل: بَيْتاكُما، وتقول: رؤوسُكما، بَدَل: رأَساكُما!!.
ثم إِنَّ المرادَ بالجَمْعِ (قُلُوُبكُمَا) المثنى، لأَنَّ صيغةَ الجمعِ قد تُطْلَقُ على
الاثنين، لأَنَّ أَقَل الجمع اثْنان!.
وعندما يَقرأُ القارئُ قولَ الله: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) علم
أَنَّ المرادَ قَلْبان وليسَ قُلوباً، لأَنَّ الخِطابَ لاثنَتَيْن، وبذلك أُمِنَ اللَّبسُ.
وهذه المعاني لا يَعرفُها الفادي الجاهلُ في اللغة، ولذلك اعترضَ على
القرآنِ في استعمالِه الأَفصحَ والأَبلغَ (١).
قوله: ﴿أَيْدِيَهُمَا﴾ جمعٌ واقعٌ موقعَ التثنيةِ لأمْنِ اللَّبْس، لأنه معلومٌ أنه يُقْطَعُ مِنْ كلِّ سارقٍ يمينه، فهو من باب ﴿صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤]، ويدل على ذلك قراءةُ عبد الله: «فاقطعوا أيمانَهما» واشترط النحويون في وقوعِ الجمع موقعَ التثنية شروطاً، ومن جملتها: ان يكون ذلك الجزءُ المضافُ مفرداً من صاحبِه نحو: «قلوبكما» و «رؤوس الكبشين» لأمن الإِلباس بخلافِ العينين واليدين والرجلين، لو قلت: «فَقَأْتُ أعينَهما» وأنت تعني عينيهما، و «كَتَّفْتُ أيديَهما» وأنت تعني «يديهما» لم يَجُزْ لِلَّبْسِ، فلولا أنَّ الدليل دَلَّ على أن المراد اليدان اليمنيان لَما ساعَ ذلك، وهذا مستفيضٌ في لسانهم - أعني وقوعَ الجمعِ موقعَ التثنيةِ بشروطِه - قال تعالى: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤].
وَلْنذكر المسألةَ فنقول: كلُّ جزأين أضيفا إلى كُلَّيْهما لفظاً أو تقديراً وكانا مفردَيْنِ من صاحبيهما جازَ فيهما ثلاثةُ أوجهٍ: الأحسنُ الجمعُ، ويليه الإِفرادُ عند بعضِهم، وليله التثنيةُ، وقال بعضُهم: الأحسنُ الجمعُ ثم التثينةُ ثم الإِفرادُ نحو: «قَطَعْتُ رؤوسَ الكبشين ورأسَ الكبشين ورأسَيْ الكبشين»، قال:
١٧٢٦- ومَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنْ | ظهراهُما مثلُ ظهورِ التُّرْسَيْنْ |
وقولُنا» أو تقديراً «نحو قوله:
١٧٢٧- رأيت بني البكري في حومة الوغى | كاغِرَي الأفواهِ عند عَرِين |
١٧٢٨- هما نَفَثا في فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهِما | على النابحِ العاوي أشدَّ رِجامِ |
١٧٢٩- حمامةَ بطنِ الواديَيْن تَرَنَّمي | سَقاكِ من الغُرَِّ الغوادِي مطيرُها |