ويقولون: نحنُ نحجُّ بيتَ رَبّنا أفلا يُطْعِمُنا؟!
فإذا قَدِموا مكةَ تَسَوَّلوا طَعامَهم، وربما أَفْضى بهم
الحال إِلى السَّلْبِ والنَهْب، فقال لهم محمد: " فتزودوا "..
وهو أَمْرٌ بَدَهي، ليس فيه شيءٌ فوق مستوى العقل، حتى يَحتاجَ إِلى وَحْي..
".
إِنَه يَرى أَنَّ التزوُّدَ بالزادِ للحَجِّ أَمْرٌ بَدَهِيٌّ عاديّ، يَفعلُه كُلُّ إِنسانٍ يُريدُ
السَّفَر، ولا يَحتاجُ إِلى تَدَخُّلِ الوَحْي.
وهو يُخطئُ في النظرِ إِلى الوَحْي، عندما يَظُن أَنَ الوحْيَ لا يتدَخَّلُ إِلّا
في الأُمورِ الصعبة، التي هي فوقَ مستوى العقل!.
لقد عَرَفْنا من تَنَزُّل القرآن وأَسبابِ نزول بَعْضِ آياتِه، أَنَّ كَثيراً من آياتِ
القرآنِ كانت تنزل ابتداءً، بدونِ حادثةٍ أَو سَبَب، ولا تَتحدَّثُ عن أُمورٍ فوقَ مستوى العَقْل، إِنما تتحدَّثُ عن أُمورٍ عادِيةٍ حياتيةٍ خَبَرِيةٍ عملية..
وما نَزَل من الآياتِ على أَسبابٍ خاصة لم تكن تلكَ الأَسبابُ أو الحوادثُ فوقَ مستوى العَقْل، وإِنما كانت أَسْباباً مألوفةً عاديةً في حياةِ المسلمين.
ثم إِنَّ قولَه تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) نَزَل لِيُصَوِّبَ ويُصحِّحَ
نظرةَ بعضِ المسلمين في التوكلِ على الله، فقد كانَ بعضُ أَهْلِ اليمنِ يأتونَ للحج، وليس معهم شيءٌ من الزاد، ويقولون: نحنُ متوكّلونَ على الله، ونحنُ ضُيوفُ الله وحُجّاجُ بيتِه، ومن غير المعقول أَنْ يَتَخَلّى اللهُ عَنا وأَنْ لا يَرْزُقَنا!.
فكانَ إنزال هذه الجملة من الآيةِ لِتصحيحِ هذه النظرة، وإِبطال ما فيها
من خَطَأ، وهَدَفت الآية ُ إلى أَنَّ التوكُّلَ على اللهِ لا يَعني عدمَ الأَخْذِ
بالأَسْباب، بل إِنه يوجِبُ على المتوكلِ الأَخْذَ بالأَسباب.
فقُدومُ الحُجّاجِ إِلى الحَج متوكّلينَ على اللهِ يوجِبُ عليهم التزوُّدَ بالزادِ
المادي والزادِ المعنويّ الذي هو التقوى!.
ومن حِقْدِ الفادي وكُرْهِه وبُغْضه لرسول اللهِ - ﷺ -، وحربِه للقرآنِ