ولا يَعني ذهابَ دِماءِ العبيدِ هَدْراً، لأَنَّ الحكم يَنتقلُ من
القِصاصِ إِلى الدِّيَة، يَدْفَعُها أَهلُ القاتلِ إِلى أَهلِ القتيل.
والفادي المفترِي الذي شَنَّ على النَّسخِ هُجوماً شَديداً، يَدْعو الآنَ إِلى
اعتمادِه والقولِ بِه، لأَنه يتفقُ مع هواه! فقد أَخْبَرَنا الله في القرآنِ عن حُكْمِهِ
في التوراة بوجوب قَتْلِ أَيِّ نفسٍ بأَيّ نفس.
قال تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ).
وعَلَّقَ الفادي على هذا بقوله: " ولماذا لم يَعْتَبِروا قولَ التوراةِ المحكيَّ بالقرآن: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) قانوناً إِلهياً واجبَ الاتِّباعِ، مُدَّعين أَنَّ التوراة لا تَنسخُ القرآن! ".
وكيفَ يُريدُ للتوراةِ النازلةِ قبلَ القرآن بمئاتِ السِّنين أَنْ تنسخَه، مع أَنه
من المتفق عليه عند العُقَلاءِ أَنَّ السابقَ المتقدِّمَ لا ينسخُ اللاحقَ المتأَخِّر.
وإذا كان اللهُ قد أَوجبَ القِصاصَ في التوراة، وأَوجبَ قَتْلَ النفسِ
بالنفس، فقد أَوجبَ ذلك في القرآن، عندما أَمَرَ بالقصاصِ في القَتْلى، وفَصَّلَ
ذلك بقولِه: (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى).
فهذه الحالاتُ الثلاثةُ في الآيةِ تفسيرٌ للنفسِ بالنفس.
أَما الجملةُ التي ذَكَرَها الفادي: " إِنَّ عبارةَ القرآنِ تُنافي قواعدَ العدلِ
والمساواةِ بين البشر " فهي جملةٌ فاجرة، شَتَم المجرمُ بها القرآنَ، مع أَنَّ
العبارةَ التي اعترضَ عليها لا تَتَنافى مع العدلِ والمساواةِ بينَ البَشَر، وإِنما
تَعْمَلُ على إقرارِها وسيادتِها.
وإِذا كانَ بعضُ المذاهبِ لا يُجيزونَ قَتْلَ المسلمِ بالذِّمّيّ قِصاصاً؟
فإِنَّ مذاهبَ أُخرى أَجازَتْ ذلك، وسبقَ أَنْ ذَكَرْنا أَنَّ المذهبَ الحنفيَّ يقولُ بذلك، وأننا رجَّحْنا هذا القول.
وحتى عندَ الذينَ لا يَقْتُلونَ المسلمَ بالذِّمِّيِّ المعاهَدِ قِصاصاً، فإِنَّ دَمَ
الذِّمّيِّ القتيلِ لا يَذهَبُ هَدْراً؟
لأَنَّ الواجبَ ينتقلُ إلى الديَة، يدفعُها أَهلُ القاتلِ لأهلِ القتيل!.