إِنّ ما ذكَرَتْه الآية من اشتراطِ أَربعةِ شُهودٍ هو الحَقُّ والصَّواب، وحكمَةُ
ذلك المحافَطةُ على الأعراضِ وصِيانَتُها وعَدَمُ جَعْلِها وسيلةً للإِشاعاتِ
وأَحاديثِ المجالس.
تَتَناقَلُها وتُرَدّدُها الأَلسنة، وبهذا تنتشرُ الرذيلة، وتُوحي
بسهولةِ ارْتكَابِها بينَ الناس، وتُغْري رُوّادَ الفواحشِ بيُسْرِ الحصولِ عليها.
لذلك حَرَّمَ الإِسلامُ الحديثَ في الأَعْراض، وقَذْفَ الناسِ بالزنى، واشْتَرَطَ
على المتحدّثِ تَقْديمَ أربعةِ شُهودٍ شاهَدوا ارتكابَ الفاحشةِ بعُيونِهم، فإِنْ لم يَتِمَّ ذلك أُقيمَ على المتكلّمين حَدُّ القَذْف، وجُلِدَ كُلّ واحدٍ منهم ثَمانين جلدة.
صحيحٌ أَنه من المتَعَذِّرِ رؤيةُ أَربعةِ رجالٍ الزَّانِيَيْنِ وهما يَزْنِيان " لأَنَّ
الزِّنى فية إِسرارٌ وتكتُّمٌ واخْتِفاء، لكن لا بُدَّ من شهودٍ وبَيِّنَة، ثم إِنه ليس من
هدفِ القرآنِ إِقامةُ حَدّ الزِّنى على الزانِيَيْن، بل هدفُه تطْهيرُ المجتمعِ الإِسلاميّ
من فاحشةِ الزِّنى، ومحاربتُها ومطاردتُها، وإبعادُها عن تفكير ومشاعرِ الراغِبين فيها، بحيثُ يضطرُّ المجرمان المتَّفِقانِ على الزِّنى إِلى الاختفاءِ عَن عيونِ
الناس، وارتكابِ الفاحشةِ في غُرْفَةٍ محكمةِ إِغلاق الأَبوابِ والنوافذِ! وهما إِنْ
نَجَيا من إِقامَةِ الحَدِّ في الدنيا، فلن يَنْجُوا من عذَابِ اللهِ في الآخرة!.
وعجيبٌ أَمْرُ هذا الفادي المجرم: إِنَّ أَيَّ آيةٍ في القرآنِ تُثيرُ اعْتراضَه
وإِنكارَه، فاشتراطُ الآيةِ أَربعةَ شهودٍ جَعَلَها تلاَعباً وتبرئةً للزانيَيْن، ولو تساهَلَت الآيةُ في إِثباتِ الزنى لجعَلَها قاسيةً شديدةً! فمهما قال القرآنُ فهو عنْدَه خطأ!!.
***
لماذا جلد الزاني أمام الناس؟
عندما أَمَرَ اللهُ بإِقامةِ حَدّ الجَلْدِ على الزانيةِ والزاني، أَوجبَ أَنْ يَكونَ
ذلك أَمامَ المؤمنين؟
قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢).