ولا دليلَ على ما ذَكَرَهُ الفادي من تَفْصيل عَذابِهم بالحَرّ، ولم يَصِحَّ هذا
الكلامُ إِلى ابنِ عباسٍ - رضي الله عنهما -، ولذلك نحنُ لا نَقولُ به ونَرُدُّه، فلم يَبعثْ لأَهْلِ مَدْيَنَ سَحابةً منعشةً فوقَهم، نسيمُها طَيِّبٌ وظِلُّها لطيف، فلما تجمعوا تَحتَها تَحَوَّلَ ذلك النَّسيمُ إِلى لهب وتَحَوَّلَت السحابةُ إِلى نارٍ حارقة! لا نَقولُ بذلك لأنه لم يُذْكَرْ في القرآنِ الكريم، ولا في حديثِ رسولِ اللهِ - ﷺ -.
ثم مَنْ قالَ: إِنَّ اللهَ عَذبَ قومَ مَدْيَن بالظُّلَّةِ (السحابةِ الباردة)، فلما
تَجَمَّعوا تَحْتَها حَوَّلَها اللهُ إلى نارٍ حارقة؟!.
لقد أَخبرَ اللهُ أنه أَهلكَ قَوْمَ مدينَ بالرَّجفَةِ والصيْحةِ والظُّلَّةِ:
قالَ تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩١).
والرَّجْفَةُ هي حركةُ الأَرضِ من تحتِهم، حيثُ زُلزلتْ ورَجفتْ وتَحركتْ
واضْطربتْ.
وقال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩٤).
والصيحةُ هي الصوتُ العالي المدَوّي، الناتجُ عن زلزالٍ أَو انفجارٍ
هائل.
وقال تعالى: (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩).
والظُّلَّةُ هي السَّحابة، وكانت تلك السحابةُ سحابةً بركانيةً حارقة، وليستْ
باردةً أَو منعشة.
وقد يَتهمُ بعضُهم القرآنَ بالتناقضِ في حديثهِ عن إِهلاكِ قومِ مَدْيَن،
فسورةُ الشعراءِ تُخبرُ أَنَّ إِهْلاكَهم كانَ بالظُّلَّة، وسورةُ الأَعرافِ تُخبرُ أَنَّ
إِهلاكَهم كانَ بالرجفة، وسورةُ هودٍ تُخبرُ أَنَ إِهلاكَهم كان بالصيحةِ! فبماذا
كان إِهلاكُهم؟
ولماذا تَناقضت السُّوَرُ الثلاثُ في حديثِها عن إِهلاكِهم؟.