للشمسِ من دونِ الله، فلم يَستوعبْ عَقْلُه " الصغيرُ " فهمَ طائرٍ للإِيمانِ والشرك، ودعوتِه إِلى وحدانيةِ اللهِ والسجودِ له وحْدَه! ولقد قُلْنا: إِنه هدهدٌ خاصٌّ، عَلَّمَهُ اللهُ وفَهَّمَه بتعليمٍ وتفهيم خاص، وأَخْبَرَنا عن بيانِه الدعويّ في قولِه تعالى: (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦).
ونقول: لقد كانَ هذا الهدهدُ المؤمنُ أَكثرَ عِلْماً من الفادي المفترِي،
وأَعمقَ إِيماناً وتَوحيداً لله منه، فهذا الفادي المتعالمُ المتفلسفُ لا يَتبعُ الحَقَّ
الموجودَ في الإِسلام، ويُصِرُّ على الإِيمانِ بالأَقانيمِ الثلاثة: الآبِ والابنِ
والروحِ القُدُس، ويجعلُ المسيحَ - عليه السلام - ابْناً لله، وها هو الهدهدُ يَدْعو إِلى توحيدِ اللهِ بهذا المنطقِ الدعويّ الرائعِ، وهذا الحماسِ الإيمانيِّ المؤَثِّر!!
ويتساءل الفادي الجاهلُ بإِنكار؟ " كيفَ يَقومُ الهدهدُ بدوْرِ المراسَلَة؟! ".
وقد سبقَ أَنْ قُلْنا: إِنه هدهدٌ خاصٌّ، عَلَّمَه اللهُ ومَيَّزَهُ عن باقي الطيور، ومَكَّنَهُ من أَنْ يَقومَ بمهمتِه الدعويةِ في مملكةِ سبأ، فَحَمَلَ الرسالةَ الخاصة، وقَطَعَ المسافَةَ الطويلة، وأَلقى الرسالةَ إِلى ملكةِ سَبَأ، وتوقَّفَ عندَ قَصْرِها يُراقبُ ويَرصد، ويَرى ماذا سيكون رَدُّ فعْلِها هي وقومُها! إِنه ليسَ مجرَّدَ طائر، ولكنّه هدهدٌ خاصّ، جعلَ اللهُ فيه فهماً وإدراكاً خاصّاً!! وقد أَخبرَ اللهُ عن مهمةِ الهدهد، والكتاب الذي حَمَلَه.
قال تعالى: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (٢٨) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (٣٣) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥).


الصفحة التالية
Icon