والذي قالَ هذا هو البيضاوي فإِذا اعتَرضَ الفادي على كلامِ البيضاويّ، فلْيعترضْ عليه، والبيضاويُّ هو الذي يتحمَّلُ مسؤوليةَ وتبعةَ كلامِه، فلماذا يُحَمِّلُ الفادي القرآنَ مسؤوليةَ كَلامٍ لم يَقُلْه؟.
علينا أَنْ نَبقى مع القرآن، ولا نُضيفَ عليه شَيْئاًْ، إِلّا ما صَحَّ من حديثِ
رسولِ اللهِ - ﷺ -، وفي موضوعِ إلانةِ الحديدِ لداودَ - عليه السلام -، أجملَ القرآنُ الكلامَ عنها، ولم يُفْصِّلْه، والأَولى أَنْ نُبقيهِ على إِجمالِه، وأَنْ لا نَخوضَ في تفصيلِه، لعدم وُجودِ دَليلٍ صَحيحٍ معتمدٍ عليه في ذلك.
إِنَ الفعلَ (وَأَلنًّا لَهُ الْحَدِيدَ) مُسْنَدٌ إِلى الله، فاللهُ هو الذي أَلانَ الحديدَ
لداودَ - عليه السلام -، وعَلَّمَه صنعَ الصناعاتِ الحديدية منه: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا... ) وهذه الجملةُ تفسيرٌ للإِلانة، وبيانٌ لما نتجَ عنها من أَعمالٍ وصناعات! وهي متعلِّقَةٌ بفعلٍ مُقَدَّر، تقديرُه: وأَلَنّا له الحديد، وقُلْنا له: اعملْ سابغاتٍ وقَدِّرْ في السَّرْد.
و (سَابِغَاتٍ) : صفة لموصوفٍ محذوف، تقديرُهِ: دُروعاً سابغاتٍ، ومَعنى
(سَابِغَاتٍ) طويلة، بحيثُ تُغَطِّي الجسمَ كُلَّه، وذلك ليَقِيَ أجسامَ الجنودِ في
الحربِ من الخَطَر
و (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) : بمعنى إِتقانِ صُنْع الدروعِ السابغاتِ الحربية،
وتوصيلها بالمسامير، وذلك بأَنْ يكونَ هناك تَناسُبٌ بينَ المسمارِ وفَتْحَتِه، فلا
تكونُ تلك الفتحةُ أَكبرَ منه، بحيثُ لا تتماسَكُ أَجزاءُ الدّرع، ولا تكونُ أَصغرَ منه فلا يُحْكَمُ الصُّنْع!!.
وبمعنى هذه الآيةِ قولُ الله وَبَئّ: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (٨٠).
ويُفهمُ من الآية: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ).
أَنَّ لداودَ - عليه السلام - جُهْداً في الدروعِ الحديديةِ التي صَنَعَها، فهو يَصنعُ المسامير، ويَقُصُّ الحديدَ، ويَفتحُ فيه فتحاتٍ مقدَّرةً، مناسبةً للمسامير.