التساؤلاتُ التي أَثارَها المفترِي على الحادثةِ تُفيدُ إِنكارَه لها، وتكذيبَه
لوقوعِها، مع أَنَّ القرآنَ كانَ صريحاً في إِثباتِها: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥).
لقد صوَّرَ له عقْلُه الصغيرُ أَنَّ المعركةَ كانت بينَ الأَحباشِ النَّصارى وبين
العرب الوثنيّين، والنَّصارى أَقربُ إِلى اللهِ منِ الوثنيّين، فكيفَ انحازَ الله ُ إِلى
الوثنيّين ضدَّ النَّصارى المؤمنينَ به؟!
هذا غيرُ معقول، وأَخْطَأ القرآنُ في القولِ به!!
والكعبةُ عندَه " كعبة الأوثان " وبَيْت تُجْمَعُ فيه الأَصنام، فكيفَ يُدافعُ اللهُ عنها؟!.
وكيفَ آثَرَ الفيلُ أَنْ يكونَ مع العربِ الوثنيّين ضدَّ النَّصارى؟
إِنَ هذا غيرُ معقولٍ!
وكيفَ تداعَتْ جَماعاتُ الطيرِ واشتركَتْ في المعركة، وانحازَتْ إِلى
الوثنيّين، وحارَبَت النَّصارى المؤمنين بالحجارة؟
هذا كلّه لا يُصَدِّقُه العَقْل، ولذلك لم يَحدث!!.
إِنَّ الأَمْرَ ليس على هذه الصورةِ التي فَهِمَها الفادي خَطأ، وإنَ اللهَ لم
يَنْحَزْ للعربِ الوثَنيّين ضد المسيحيّين، إِنما دافَعَ اللهُ عن بيتِه المحَرَّمِ المعَظَّم.
لقد توجهَ أَبرهةُ بجيشِه وفيلِه ليهدِم الكعبة، لا ليقاتِلَ قُرَيْشاً، فمعركَتُه
ليستْ ضدّ قريشٍ الوثنيّين، وإنما هي ضدَّ البيتِ المحرَّم! ولذلك لما وَصَلَ إِلى
ضواحي مكةَ لم يشتبكْ في حَرَبٍ مع قُرَيْش، ورِجالُ قريشٍ عَرَفوا هذا، حيثُ أَخْلَوْا له مَكَّة، وصَعَدوا إِلى الجبالِ، يُراقبونَ ما سيَحْدُث، ولما راجَع
عبدُ المطلبِ زعيمُ مكة أَبرهةَ بشأَنِ إِبلِهِ التي أَخَذوها منه، قال له: أَنا رَبُّ
الإِبل، وللبيتِ رَبّ يَحْميه!!.
وإنَّ اللهَ يَعلمُ أَنَّ قريشاً مَلؤوا الكعبة بالأصنام، التي عَبَدوها وجَعَلوها
آلِهَة، وهو سبحانه لم يُدافِعْ عنهم ولا عن أَصنامِهم.
إِنَّ حادثةَ الفيلِ كانتْ دِفاعاً عن الكعبةِ المُشَرَّفَة، حمى اللهُ فيها الكعبةَ
من الهَدْم، هذه الكعبةُ ضمنَ بيتِ اللهِ الحرام، أَوَّلِ بيتٍ بُنِيَ في الأَرضِ


الصفحة التالية
Icon