لماذا طلبَ يعقوبُ - عليه السلام - من أَبنائِه هذا الطَّلَب؟
أَتْعَبَ بعضُ المفَسِّرينَ والإِخباريّين أَنفسَهم في محاولةِ معرفةِ ذلك..
وذَهَبَ الفادي كعادَتِه إِلى تفسير البيضاوي، ونَقَلَ منه قولَه: " قال البيضاوي: لأَنهم كانوا ذَوي جَمالٍ وأُبَّهَة، مُشْتَهرينَ في مِصرَ بالقُرْبِ والتَّكريمِ عندَ الملِك، فخافَ عليهم أَنْ يَدْخُلوا كوكبةً واحدةً فَيُعانُوا - أَيْ يُصابُوا بالعَيْن - ولعَلَّهُ لم يُوصِهِم بذلك في المرةِ الأَولى لأَنهم كانوا مَجْهولين حِينئذٍ، أَو كانَ الداعي إِليها الخَوْف على بُنْيامين..
وللنفس آثارٌ منها العين... ".
وعَلَّقَ الفادي على كلامِ البيضاويِّ بقوله: " ونحنُ نسأل: مِنْ أَينَ جاءَ
القرآنُ بهذه القصَّةِ التي لم تَذْكُرْها التوراة، فَنَسَبَ لواحدٍ من أَنبياءِ اللهِ خُرافَةً تُنافي العِلْم، وتُنافي الإِيمانَ بعنايةِ الله؟! ".
مَن الذي أَخبرَ رُواةَ الإِسرائيلياتِ أَنَّ يَعقوبَ - عليه السلام - كان يَخشى على أَبنائِه أَنْ يُصابُوا بالعين، لجَمالِهم وكثرتِهم وتَقريبِ العَزيزِ لهم؟
وحتى يَنْجوا من شَرِّ العَيْن أَمْرَهُم أَنْ يَدْخُلوا من أَبواب متفرقَة! لم يُذْكَرْ هذا التعليلُ في حديثٍ صحيحٍ لرسولِ الله - ﷺ -، ولهذا نتوقًّفُ في قَبولِ هذا التعليل!.
وقد أَبهمَ القرآنُ الحديثَ عن ذلك، ودَعا إِلى عَدَمِ الخوضِ فيه، لِعَدَمِ
وُجودِ دليلٍ عليه.
ولْنقرأ هاتَيْنِ الآيتَيْن بإِمعانٍ، قالَ تعالى: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦٨).
قالَ يَعقوبُ - عليه السلام - لأَبنائِه مُعَلِّلاً دُخولَهم من أَبوابِ متَفَرّقة: (وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ).
أَيْ: دُخولكُم من أَبوابٍ متفرقَةٍ لاَ يُغْني عنكم شيئاً من الله، ولا يَدْفعُ عنكم شَيْئاً من قَدَرِ الله، ومهما حَذِرْتُم فإِنَّه لا يُغْني حَذَرٌ من قَدَر!.