وللردّ عليه، نقررُ أنه لا يوجَدُ في القرآنِ حروفٌ أَو كلمات أَو جُمَل
عاطلة، لا معنى لها، أو لا يمكنُ أَنْ يُفْهَمَ معناها، كما أَنه لا توجَدُ في
القرآن حروفٌ أَو كلماتٌ زائدة..
وكلُّ حرفٍ في القرآن له معنى ووظيفة، ويُؤدّي معناه ضمنَ السياقِ الذي وَرَدَ فيه، وإِذا حُذِفَ اختلَّ المعْنى، وضعُفَ التركيبُ، ونَقَصت الدِّلالة!!.
وهذا معناهُ أَنَ الحروفَ المقطَّعَةَ في افتتاحياتِ بعضِ السور ليستْ عاطلةً
أَو مهملةً، أَو ليس لها معنى ودلالة، أو ليس لورودها على هذه الصورة حكمةٌ أَو فائدة.
ونعترفُ أَنَّ العلماءَ والمفسرين اخْتَلَفوا في نظرِهم إِلى الحروفِ
المقطَّعَة، وانقسموا في ذلك إِلى فريقين:
- الفريق الأول: لم يَخوضوا فيها، ولم يُحاوِلوا تفسيرَها، أَو بيانَ
مَعْناها والحكمةِ منها، وقالوا: هي مما استَأثَرَ اللهُ بعلمِه، فلا يعلمُها إِلّا هو،
ونحنُ لا نخوضُ فيها.
- الفريق الثاني: وَقَفوا أَمامَها، وتأَمَّلوا فيها، وحاولوا بيانَ معناها،
والحكمة من ورودِها!.
والراجحُ هو ما ذَهَبَ إِليه الفريقُ الثاني، لأَنَّ الله َ أَوجبَ علينا تَدَبُّرَ
القرآن، وفَهْمَ معانيه، ولم يَجعلْ فيه ما ليسَ له معنى، أَو ما لا يمكنُ أَنْ
نفهمَه، فكل ما في القرآنِ له معنى، وكلُّ ما فيه يمكنُ أَنْ نفهمَه.
والراجحُ أَن افتتاحَ بعضِ السورِ القرآنية بالحروفِ المقطّعَةِ للتَحدي
والإِعجاز، وإِثباتِ أَنَّ القرآنَ كلامُ الله.
وبيانُ هذا، أَنه لما سمعَ المشركونَ القرآنَ من رسولِ الله - ﷺ - رَفَضوا الاعترافَ بأَنه من عندِ الله، واتَّهموا النبي - ﷺ - بتأليفه، ثم ادَّعوا بأَنَّ عندهم القدرةَ على الإِتيانِ بمثْلِه لو أَرادوا..
فتحدَّاهم الله، وطَلَبَ منهم الإِتيانَ بمثْلِه، أَو بعشْرِ سورٍ مثْلِه، أَو بسورةٍ مثلِه...


الصفحة التالية
Icon