٢ - لا تَناقُضَ بين قولِه تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، وبينَ قولِه تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ).
تمنعُ الآيةُ الأُولى إِجبارَ الكفارِ على اعتناقِ الإِسلام، لأَنَّ
الإِسلامَ لا يَقبلُ الإِكراهَ والإِجبار، ولا بُدَّ من أَنْ يَقتنعَ الإِنسانُ بالإسلامِ قناعةً خاصّة، ينتجُ عنها اعتناقُه الإِسلام، ولكنَّ عَدَمَ إِكراهِهم على اعتناقِ الإِسلام لا يُلْغي وُجوبَ دعوتهِم للدخولِ فيه، فعلى الدعاةِ أَنْ يَدعوهم لهذا الدين، لأَنه رسالةٌ عالمية، ودينُ اللهِ للعالَمين جَميعاً، فإِنْ رَفَضوا الدعوةَ وأَصَرّوا على كفرِهم تركْناهم وشأْنَهم، وحسابُهم عند اللهِ، على أَنْ يَخْضَعوا لسلطان المسلمين.
فإِذا وَقَفَ الكفارُ أَمامَ الدعاة، ومَنَعوهم من أَداءِ واجبِ الدعوةِ، وفتنوهم
وآذوهم وعَذَّبوهم واضطهدوهم، كانوا هم المعْتَدين الظالمين، وعند ذلك أَباحَ لنا اللهُ مواجَهَتهم، وأَمَرَنا بقتالِهم، والدفاعِ عن الناسِ المعَذَّبين المفتونين الذينَ تحتَ سُلطانِهم! وإِذا تَركوا الدعاةَ يَدْعونَ ويتحركون، ولم يَتَعَرَّضوا لهم بفتنةٍ ولا إِيذاء - وهذا نادراً ما يحصلُ من الكفار - فإِنهم لا يُقاتَلون.
٣ - لا تَناقُضَ بين تقديمِ الأَموالِ والمساعداتِ للكفار، الذي أَشارَ له
قولُه تعالى: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، وبينَ الأَمرِ بقتالِهم حتى يَدفعوا الجزيةَ، الذي وَرَدَ في قولِه تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩).
فإِنَّ القتالَ مُوَجَّهٌ للكفارِ المقاتلينَ المحاربينَ المعتدينَ على المسلمين، المتآمِرين عليهم، وهم يُقاتَلونَ لأَنهم هم البادئونَ بالعُدوانِ والقتال، والبادئُ
أَظلم..
فإِذا هُزِمَ الكفارُ المقاتِلون فلا بُدَّ أَنْ يَخْضَعوا لسلطانِ المسلمين،
ويَعْتَرفوا بقوَّتهم، والدليلُ على ذلك دفعُ الجزيةِ لهم، وهذه الجزيةُ على
القادرين منهم، يَدْفَعونَها للمسلمين مقابلَ حمايتِهم لأَنفسِهم ودمائِهم
وأَموالِهم، ودفاعِهم عنهم.


الصفحة التالية
Icon