(فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا).
إِنَّ الدعوةَ هي أَولُ ما يُوَجَّهُ إِلى الكفار، وهي لا تَكونُ إِلّا بالحكمةِ
والموعظةِ الحسنة، فإِنْ رَفَضوا الدعوة، وقاموا بقِتالِ المسلمين وَجَبَ على
المسلمين قِتالُهم لأَنهم معتدون ظالمون.
وكم كان الفادي مُفْتَرِياً عندما اعتبرَ قِتالَ الكفارِ المقاتِلينَ دعوةً بالسيف،
علماً أَنَّ السيفَ لم يكنْ يوماً أُسلوباً من أَساليبِ الدعوةِ إِلى الإِسلام، لأَنه
يَهدفُ إِلى تحطيمِ قوةِ الكفارِ العسكرية، التي يُحارِبونَ بها الإِسلام
والمسلمين، ويَحرمونَ شعوبَهم من نورِ الإِسلام، وعندما يَتحققُ هذا الهدفُ
بالقتالِ وتَتحطمُ قوةُ الكفارِ العسكرية، ويَخضعونَ لسلطانِ المسلمين، يتوقَّفُ المسلمونَ عن قتالِهم وقَتْلِهم، ويتوجَّهون إِلى شعوبِهم بالدعوة، التي لن تكونَ إِلَّا بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة.
وكان الفادي كاذباً على رسولِ اللهِ - ﷺ -، عندما قالَ عنه: " لهذا فَتَكَ محمدٌ بمعارضيه في الدين، مثلُ كَعْبِ بنِ الأَشْرَفِ، وأَبي عَفْك، وأَبي رافعِ بنِ أَبي عَقيق ".
إِنه لا يُحسنُ قراءةَ الأَسماء، فالثاني ليس " أَبا عَفْك الشيخ "، وإِنما هو
" ابنُ أَبي عَفْك "، والثالث ليس: " أَبا رافع بنِ أَبي عَقيق "، وإِنما هو: " أَبو رافع بنُ أَبي الحقيق ".
ولقد أَمَرَ رسولُ اللهِ - ﷺ - بقَتْلِ هؤلاءِ الثلاثة - وآخرينَ غيرِهم مَعْروفين في كتبِ السيرة - ليس لأَنَّهم كُفارٌ مُعارِضونَ له في الدين، فقد كان كُفار كَثيرون يُعارضونَه في الدّين، ويَسْتَحِبّونَ الكفرَ على الإِيمان، ومع ذلك لم يَقْتُلْهم، وكان منهم منافقون مثلُ عبدِ الله بن أُبَيّ، وكان منهم يهودٌ مثلُ كَعْبِ بنِ أَسَد، زعيمِ يهودِ بني قريظة، الذي عَقَدَ معه رسولُ اللهِ - ﷺ - عَهْداً، ومثلُ حُيَيِّ بنِ أَخْطَب زعيمِ يَهودِ بني النضير، الذي عَقَدَ معه رسولُ الله - ﷺ - عهداً آخر.