العقاب، قال تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (٥٠).
والصليبيّون الذين يَزْعُمُونَ أَنَّ اللهَ محبّة، وأَنهم رسلُ محبة، هم الذين
سَفَكوا دماءَ المسلمين، واحتلّوا أَوطانَهم، وسَلبوهم أَموالَهم، في القديمِ وفي
الحديث!!.
***
ما الذي حرمه الرسول - ﷺ - على نفسه؟
اعترضَ الفادي المفترِي على ما حَرَّمَه الرسولُ - عليه السلام - على نفسِه، والذي عاتَبَه الله عليه في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢).
ونقلَ كلاما غيرَ صحيح بأُسلوبِه الخبيثِ البذيء، قالَ فيه: " كان محمدٌ
يوماً في بيتِ حَفْصةَ بنتِ عمر، وهي إِحدى أَزواجِه، فاستأذَنَتْ منه في زيارة
أَبيها، فأَذِنَ لها، فأَرسَل إِلى مارية، وهي إِحدى سراريه، وأَدخلَها بيتَ حَفْصَةَ وَواقعَها، فَرَجَعَتْ حَفصةُ وأَبصرتْ ماريةَ معهُ في بيتِها، فلم تَدخُلْ حتى خرجَتْ ماريةُ، تم دخَلَتْ، وقالَتْ له: إِنَّني رأيتُ مَنْ كانَتْ مَعَك في البيت..
وغَضِبَتْ وبَكَتْ وقالَتْ له: لقد جئتَ إِليَّ بشيء ما جئتَ به إِلى أَحَدٍ من نسائِك، في يومي، وفي بيتي، وعَلى فِراشي!..
فقالَ لها: اسْكُتي، أَمَا تَرْضينَ أَنْ أَحَرِّمَها على نفسي، ولا أَقربها أَبداً؟
قالَت: نعم.
وحَلَفَ أَنْ لا يَقْرَبَها.
ولكنْ لما عاوَدَتهُ الرغبةُ في ماريةَ حَنَثَ بالقَسَم، وأَقفلَ بابَ اعتراضِ
حفصةَ على رجوعِه في قَسمه، بقوله: إِنَّ اللهَ أَوحى إِليه.. " (١).
٥٦- محمد ﷺ يحرّم ما أحل الله
الرد على الشبهة:
استند الظالمون لمحمد ﷺ فى توجيه هذا الاتهام إلى ما جاء فى مفتتح سورة التحريم من قوله تعالى: (يا أيها النبى لم تحرّم ما أحلّ الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله غفور رحيم) (١).
وهذه الآية وآيات بعدها تشير إلى أمر حدث فى بيت النبى ﷺ عاتبته نساؤه وتظاهرن عليه بدوافع الغيرة المعروفة عن النساء عامة إذ كان ﷺ قد دخل عند إحداهن وأكل عندها طعامًا لا يوجد فى بيوتهن، فأسر إلى إحداهن بالأمر فأخبرت به أخريات فعاتبنه فحرّم ﷺ تناول هذا الطعام على نفسه ابتغاء مرضاتهن.
والواقعة صحيحة لكن اتهام الرسول بأنه يحرّم ما أحل الله هو تصيّد للعبارة وحمل لها على ما لم ترد له..
فمطلع الآية (لم تحرم ما أحل الله لك) هو فقط من باب " المشاكلة " لما قاله النبى لنسائه ترضية لهن؛ والنداء القرآنى ليس اتهامًا له ﷺ بتحريم ما أحل الله؛ ولكنه من باب العتاب له من ربه سبحانه الذى يعلم تبارك وتعالى أنه ﷺ يستحيل عليه أن يحرّم شيئًا أو أمرًا أو عملاً أحلّه الله؛ ولكنه يشدد على نفسه لصالح مرضاة زوجاته من خلقه العالى الكريم.
ولقد شهد الله للرسول بتمام تبليغ الرسالة فقال: (ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين) (٢).
وعليه فالقول بأن محمدًا ﷺ يحرّم ما أحل الله من المستحيلات على مقام نبوته التى زكاها الله تبارك وتعالى وقد دفع عنه مثل ذلك بقوله: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى) (٣).
فمقولة بعضهم أنه يحرّم هو تحميل اللفظ على غير ما جاء فيه، وما هو إلا وعد أو عهد منه ﷺ لبعض نسائه فهو بمثابة يمين له كفارته ولا صلة له بتحريم ما أحل الله. اهـ (شبهات المشككين).
__________
(١) التحريم: ١.
(٢) الحاقة: ٤٤- ٤٧.
(٣) النجم: ٣- ٤.