والسؤالُ الذي طَرَحَه المجرمُ خبيث مثلُ صاحبه: " وكيف يُؤْتَمَنُ مِثْلُه
على أَقوالِ الوحي؟ " لأَنَّ اللهَ ائتمنَه على الوحي، وَوَعَدهُ أَنْ لا يَنسى من القرآن حرفاً واحداً، وقال له: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧).
***
حول تقبيل الرسول للحجر الأسود
تَوَقَّفَ الفادي المجرمُ أَمامَ تقبيلِ الرسول - ﷺ - للحجرِ الأَسود، وأَساءَ فهمَ الحادثةِ وتفسيرَها، كعادَتِه، وجعلَ حديثَه عنها فرصةً لاتِّهامِ الرسول - ﷺ - في عقيدتِه وإِيمانِه وإِخلاصِه وتوحيدِه.
قَال فَضَّ اللهُ فاه: " جاءَ في سورةِ الأحزاب (٢١) :(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، وقال عمرُ بنُ الخطابِ عن الحجرِ الأَسود: أَما واللهِ لقد علمْتُ أَنكَ حَجَرٌ، لا تَضُرُّ ولا تَنْفَع، ولولا أَني رأيتُ رسولَ اللهِ قَبَّلَكَ ما قَبَّلْتُك.
ونحنُ نسأل: لماذا جَعَلَ محمدٌ تقبيل الحجرِ الأَسودِ من شعائرِ الحَجِّ
كالوثنيين؟
وهل هذه هي الأُسوةُ الحسنة؟
ولماذا يُجاري ويُداري عربَ الجاهلية، فيشركُ في إكرامِ اللهِ إِكرام الأَحجار؟ " (١).
يرفضُ المجرمُ اعتبارَ رسول اللهِ - ﷺ - قدوةً حسنةً للمسلمين من بعدِه، لماذا؟
لأَنه قَبَّلَ الحجرَ الأَسودَ، وجعلَ تقبيلَه من شعائِرِ الحَجّ!!
وماذا في تقبيلِه له؟
إِنه بهذا يُداري ويُجاري الوثنيّين، ويَفعلُ مثلَ فِعْلِهم.
وهذا إِكرامٌ منه للحجر، وهذا إِشراك منه بالله - عز وجل -!!
فالرسول - ﷺ - مشرك بالله بمجردِ تَقبيلهِ
الحجرَ الأَسود!!
هكذا يكونُ البحث، وهكذا يكونُ التحليلُ والتعليلُ
والاستنباطُ والاستدلال؟!.
٥٨- محمد ﷺ يعظم الحجر الأسود
الرد على الشبهة:
إنهم فى هذه المقولة - يريدون أن يتهموه بأنه كان يعظم الحجر الأسود - بل ويعظم الكعبة كلها بالطواف حولها وهى حجر لا يختلف فى زعمهم عن الأحجار التى كانت تصنع منها الأوثان فى الجاهلية وكأن الأمر سواء!!
وحقيقة الأمر أن من بعض ما استبقاه الإسلام من أحوال السابقين ما كان فيه من تعاون على خير أو أمر بمعروف ونهى عن منكر، من ذلك ثناء الرسول ﷺ على حلف كان فى الجاهلية يسمى " حلف الفضول " وهو عمل إنسانى كريم كان يتم من خلاله التعاون على نصرة المظلوم، وفداء الأسير، وإعانة الغارمين، وحماية الغريب من ظلم أهل مكة وهكذا..
وقد أثنى الرسول ﷺ على هذا الحلف وقال: لو دعيت إلى مثله لأجبت.
وأيضًا كان مما استبقاه الإسلام من فضائل السابقين مما ورثوه عن إبراهيم - عليه السلام - تعظيمهم للبيت الحرام وطوافهم به؛ بل وتقبيلهم للحجر الأسود.
وهناك بعض مرويات تقول إن هذا الحجر من أحجار الجنة.
وهنا فقط لا يكون أمامنا إلا ما ثبت من أن الرسول ﷺ كان يقبل الحجر الأسود عند طوافه بالبيت، وهو ما تنطق به الرواية عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - أنه قال عن تقبيله لهذا الحجر: (والله إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك).
وهنا نقول:
من المستحيل أن يكون تقبيل الرسول ﷺ للحجر الأسود من باب المجاراة أو المشاكلة لعبدة الأصنام فيما كانوا يفعلون.
ومستحيل أيضًا أن يكون ﷺ قد فعل ذلك - أى تقبيل الحجر الأسود - دون وحى أو إلهام وجهه ﷺ إلى تقبيل الحجر بعيدًا بعيدًا عن أى شبهة وثنية أو مجاراة لعبدة الأصنام.
ولأنه ﷺ قال: [خذوا عنى مناسككم] فقد أصبح تقبيل الحجر الأسود من بعض مناسك الحجاج والعمار للبيت الحرام.
كما أن تعظيم الحجر الأسود هو امتثال لأوامر الله الذى أمر بتعظيم هذا الحجر بالذات، وهو سبحانه الذى أمر برجم حجر آخر كمنسك من مناسك الحج فالأمر بالنسبة للتعظيم أو الرجم لا يعدو كونه إقرارًا بالعبودية لله تعالى وامتثالاً لأوامره عز وجل واستسلامًا لأحكامه. اهـ (شبهات المشككين).