قد كَلَّفَ صفوانَ بنَ المعَطِّلِ السلميَّ - رضي الله عنه - أَنْ يَسيرَ خَلْفَ الجيش، ليلتقطَ ما يسقطُ منه..
ولما وصلَ صفوانُ إِلى المكانِ رأى عائشة، فأَناخ راحلَتَه، فركبَتْها وساقَها حتى وَصَلَ الجيش..
ولما رآهُ المنافقون أَشاعوا حادثةَ الإِفك، واتَّهموها في عِفَّتها
وطهارتِها..
واستمرَّ الحديثُ حول الشائعةِ حوالي خمسين يوماً، وأَنزل اللهُ
بعدَ ذلك شهادةً ببراءةِ عائشةَ - رضي الله عنها -، وأَقامَ الرسول - ﷺ - حَدَّ القَذْفِ على الذينَ رَدَّدوا الإِشاعة، واتهموها في عِرْضها...
وأَطلقَ الفادي المجرمُ سِهامَه الخبيثة المسمومة، وقَذَفَ عائشةَ - رضي الله عنها - في عِفَّتِها.
قال: " ونحنُ نسأل: هل كان زواجُ محمدٍ بعائشة بركةً له أَم لعنةً
عليه؟..
قال ابنُ هشام: إن محمداً تزوج ثلاثَ عشرة امرأة، منهنَّ عائشة، التي
كانَتْ بِنْتَ لسِتٍّ لَمّا عَقَدَ عليها، وبِنْتَ تِسعٍ لَمَّا بَنى بها..
فلماذا يتزوجُ محمدٌ وهو شيخٌ بطفلةٍ في التاسعة؟
وإنْ كانَتْ هذه عادةُ عربِ زمانِه، فلماذا لم يُصْلِحْ
نَبِيُّ العَرَبِ عادة أَهْلِ زمانه، بَدَل أَنْ يُمارِسَها معهم؟
ولماذا كان محمدٌ يصطحبُها معه في غَدْواتِه ورَوْحاته، حتى في الحروب، فتصبحَ سيرتُه وسيرتُها مضغةً في الأفواه، كما حَدَثَ مع صفوانَ بن المعَطِّل في غزوةِ بني المْصطَلِق؟.
ولقد كانَ عليُّ بنُ أَبي طالب حكيماً، وهو يُقدِّمُ النصحَ لابنِ عَمِّه وَحَميِّه، ويقول له: لم يُضَيِّق اللهُ عليك، والنساءُ سواها كثير..
ولكنَّ علياً لم يكنْ يعلمُ مكانةَ عائشةَ في قلبِ محمد، وقد كانَ يقول عنها: إِنها بينَ نسائِه كالثريد بينَ الطعام.
فذهبَ محمدٌ إِليها، وقال لها: " بَلَغَني عنك ما بَلَغني، فإِنْ كنت بِريئةً
فيبرِّئُكِ اللهُ، وإِنْ كنتِ أَلممْتِ بذنْبِ فاستْغفِري اللهَ وتوبي إِليه، فإِنَّ العبدَ إِذا اعترفَ بذنْبه ثم تابَ تابَ اللهُ عليَه ".
وسرعانَ ما جاءَ جبريلُ بوحيٍ يُبَرِّئُ عائشة، ويَلْعَنُ الذين اتَّهموها، وشَغَلَتْ شهادَةُ جبريلَ ولعناتُه ثماني عشرةَ آية من سورة النور.
قال ابنُ عباس - كما ذَكَر البيضاوي -: " لو فَتَّشْتَ وعيداتِ
القرآن لم تَجِدْ أَغلظَ مما نَزل في إِفْكِ عائشةَ - رضي الله عنها -".
أَلا يرى العاقلُ أَنَّ محمداً شَحَنَ قرآنَه بشؤونه الخاصةِ وشؤونِ نسائِه؟
وإذا كانتْ عائشةُ بريئةً، فلماذا لم يُبَرِّئْها في الحال؟..
ولماذا لَبِثَ الوحيُ مدةً طويلة، تاركاً إِياها في بيت أَبيها، ومحمد مرتابٌ في عِفّتها؟.. ".


الصفحة التالية
Icon