ولكنَّ اللهَ عاتَبَ رسولَه - ﷺ - بشأنِه، وخَلَّدَ هذا العتابَ في القرآن، من بابِ توجيهِ رسولِ اللهِ - ﷺ - لما هو أَوْلى، فهو لم يُخْطئْ مع ابنِ أُمِّ مَكْتوم، ولم يَنْهَرْهُ ولم يَشْتُمْه، وكان مَشغولاً بأَمْرٍ هامٍّ لمصلحةِ الإِسلام، وكان طامِعاً في إِسلامِ المجموعةِ ليُنقذَهم من النار، ولو كانَ أَحَدُنا مكانَه لفعلَ مثْلَ فِعْلِه، وما كان مخطئاً..
ولكنَّ اللهَ يريد لرسولِه - ﷺ - الأَكملَ والأَفضلَ والأَوْلى، ولذلك عاتَبَه هذا العتابَ، مُرْشداً له إِلى ما هو أَوْلى.
وكانَ الرسولُ - ﷺ - يُكرمُ عبدَ اللهِ بنَ أُمِّ مكتومٍ - رضي الله عنه -، ويُرحبُ به كلَّما لَقِيَه، ويُداعبُه قائِلاً: " أَهْلاً بمنْ عاتَبَني فيه رَبّي! " وعندما كان يَخرجُ من المدينةِ لسفر أو غَزْوٍ، كان يُعَيِّنُ هذا الصحابيَّ والياً مكانَه على المدينة، وأميراً عليها، وتحتَ إِمرتِه كِبارُ الصحابة!.
وبهذا نعرفُ أَنَ كَلامَ الفادي المجرمِ قبيحٌ مرْذُولٌ مثلُ صاحبه، وهو
مردودٌ عليه، فليس في الأَمْرِ احتِقَارٌ لابنِ أُمَ مكتوم، وليس فيه مراعاةٌ
لأَصحابِ الجاهِ والمال من الكفار، وليسَ فيه تَخَلٍّ عن الفقراءِ والمساكين من
المسلمين..
ورسولُنا محمدٌ - ﷺ - لم يُخالفْ طريقَ أَخيه عيسى ابنِ مريم عليه الصلاة والسلام في التواضعِ والاهتمامِ بالضعفاءِ والمساكين، وكان خَيْرَ مُنَفِّذٍ لقولِ الله - عز وجل -: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (٢٨).
***
لم يطرد الرسول - ﷺ - الفقراء والعبيد
اتَّهَمَ الفادي المجرمُ رسولَ اللهِ - ﷺ - بأَنه طَرَدَ الفقراءَ من أَتْباعِهِ من أَجْلِ كسبِ رضا الأَغنياءِ من الكفار!.
ذَكرَ تحتَ عنوان: " يَطْرُدُ الفقراء " قولَ الله - عز وجل -: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢).