قال: إِنه لا يَنْبَغي لنبي أَنْ يكونَ له خائنةُ أَعين!! "..
أخرجه أبو داود والنسائي والبيهقي والحاكم والبزار وأبو يعلى.
عفا الرسولُ - ﷺ - عن أهل مكةَ الذين حارَبوه، ولم يأْمُرْ إِلّا بقَتْلِ أَربعةِ رجالٍ وامرأتين، لارتكابهم جرائمَ توجبُ قَتْلَهم.
ومنهم عبدُ الله بنُ سعدِ بنِ أَبي السَّرْح، والذي أوجبَ قتْلَه هو ارتدادُه، فقد كانَ مسلماً ثم كَفَر، وحُكْمُ المرتَدِّ في الإِسلامِ هو القتلُ، لقولِه - ﷺ -: "مَنْ بَدَّلَ دينَه فاقْتُلوه ".
فالسببُ في إِهدارِ دَمِه والأمْرِ بقَتْلِه ليس مجردَ مخالفتِه للنبيِّ - ﷺ -، كما زَعَمَ الفادي المفتري؛ لأَنَّ الرسولَ - عليه السلام - عفا عن آلافِ الكُفّارِ الذين خالَفوهُ وحارَبوه.
وبسببِ الأُخُوَّةِ في الرَّضاعِ بينَ عبدِ الله بن سعد وبينَ عثمانَ - رضي الله عنه -، فقد رَقَّ له عثمانُ ولم يَقْتُلْه، وأَخفاهُ عن المسلمين.
ثم أَتَى به النبيَّ - ﷺ -، وطَلَبَ منه أَنْ يُبايعَه، وكَلَّمه في ذلك ثَلاث مَرّات، والرسولُ - ﷺ - ساكِت؟
لأَنه كارهٌ مبايعَتَه لارتدادِهِ.
وكان - ﷺ - في سكوتِه يَنتظرُ قيامَ أَحَدِ الصَّحابَة بقَتْلِه، ولكنَّ ذلك لم يَحصل، فبايَعَه - ﷺ - على الإِسلام! ثم لامَ الرسولُ أَصحابَه على عَدَمِ قَتْلِه، وأَخبرَهم أَنه بسكوتِه كان يُريدُ أَنْ يُعطيَهم الفرصةَ لقَتْلِه، لكن لم يَفْهَموا ذلك..
ولما أَخبروه أَنه كانَ يمكنُ أَنْ يومئَ لهم برأْسِه، بحركةٍ تَدُلُّ
على رغبتهِ في قَتْلِه، أَخبرهم أَنه لا يمكنُ أَنْ يفْعل ذلك؛ لأَنه لا يكونُ للنبيِّ
خائنةُ أَعين!!.
وقد حَسُنَ إِسلامُ عبدِ اللهِ بنِ سعد بن أَبي السَّرحِ - رضي الله عنه - بعد ذلك، وكان والياً على مِصرَ في خلافةِ عُثْمَانَ - رضي الله عنه -، وهو فاتحُ إفريقية، وخاضَ معاركَ عديدةً ظافرةً ضدَّ الكفارِ، في البَرِّ والبَحْر.
وهذا الموقفُ الأَخلاقيُّ العظيمُ لرسولِ الله - ﷺ -، حيثُ لم يَرْضَ بالإِشارةِ بحركةٍ غير مناسبة، واعتبرَها من خيانَةِ الأَعين، كانَتْ مثارَ انتقادِ واعتراضِ الفادي المجرم، واعتبرها تحريضاً منه على قَتْلِه: " وكيفَ يكونُ محمدٌ نبياً وهو يُؤَمِّنُ عبدَ الله بن سعد على حياتِه، ثم يُحرّضُ الناسَ على قَتْلِه؟! ".