ثم عَلَّقَ على ذلك بوقاحةٍ وبَذاءَةٍ فقال: " ونحنُ نَسأل: إِنْ كانت الآياتُ
بلا فائدةٍ مُطلَقاً، عندَ الذين عُمِلَتْ معهم قديماً وحديثاً، فلماذا عَمِلَها الله؟
وما الذي يَمنعُ اللهَ عن عَمَلِها على يَدِ محمدٍ، كما عملَها على يَدِ جميعِ الأَنبياءِ الصادقين، كموسى وإيليا واليسع والمسيح؟
هذا عُذْرٌ أَبداهُ محمدٌ للتملُّص فقط، وإِذا كانت الآيات ُ ممتنعةً لتكذيبِ الناسِ إِياها، فلماذا لا يكونُ التبليغُ ممتنِعاً لتكذيبِ الناسِ إِياهُ أَيْضاً؟ ".
لم يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّ الآياتِ بلا فائدة، وإِنَّ اللهَ يَعلمُ أهميةَ الآيات ِ للأَنبياء،
ولذلك كان يُعطي كُلَّ نبيٍّ آياتٍ لِقوْمِهِ، دالَّةٍ على صِدْقِ نبوَّتِه، وهذا ما صَرَّحَ به رسولُ - ﷺ - بقوله: " ما من الأنبياء من نبي إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر... ".
وآيةُ سورةِ الإِسراءِ لا تُلغي الآيات، ولا تَنفي فائدتَها مطلقاً، كما فهمَ
الفادي الجاهلُ منها ذلك لجهْلِه وغَبائِه، إِنما تَنفي استجابَةَ اللهِ لطلب
المشركين إِنزالَ الآيات، فلم يَستجب اللهُ لهم، ولم يُنزل الآياتِ التي طَلَبوها؛ لأَنه يَعلمُ أَنه لو أَنزلَها كما طلبوا فإِنهم لن يُؤْمِنوا بها، وبعدَ ذلك سيعَذَبُهم
ويُهْلكُهم، ولذلك لم يَستجب اللهُ لهم رحمةً بهم، لئلا يُعَذِّبَهم (١)..
وليس معنى هذا أَنَّ اللهَ لم يُنزل الآياتِ على - النبيِّ - ﷺ -، ولا على غيرِه من الأَنبياء السابقين.
وهذا ما ذَكَرَهُ البيضاويُّ صَريحاً في تفسيرِ الآية: " وما صَرَفَنا عن إِرسالِ
المعجزاتِ التي اقترحَتْها قريش...
" فهذا موضوعُ الآية، وهي لا تنفي إِنزالَ المعجزات مطلقاً.
وعلى هذا قولُه تعالى: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١).
وقال (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧).