هل هَمَّ يوسفُ - عليه السلام - بالزنى؟
أَساءَ الفادي فَهْمَ إِخبارِ القرآنِ عن ما جَرى بين يوسفَ - ﷺ -، وبين امرأةِ العزيز.
وذلك في قولِه تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا).
وذَهَبَ إِلى أَنَّ القرآنَ اتهمَ يوسفَ - ﷺ - بالهَمِّ بالزنى بامرأةِ العزيز، وقال: " أَيْ: قَصدَتْ مخالَطتَه وقَصدَ مخالَطَتَها، والهَمُّ بالشيءِ قَصدُه والعَزْمُ عليه، ومنه " الهَمّامُ "، وهو الذي إِذا قَصَدَ شيئاً أَمْضاه.
وهذا القول يُناقضُ التاريخَ المقَدَّسَ الذي يقول: إِنَّها لما طَلَبَتْ منه الشَّرَّ
استنكرَ طَلَبها، وقال: كيفَ أَصنعُ هذا الشَّرَّ العظيم، وأُخطئُ إِلى الله؟! ".
ولما أَمسكَتْ بثوبِه تَرَكَهُ معها وهَرَب " (١).
لم يفهم الفادي حديثَ القرآنِ عن مراودةِ امرأةِ العزيز ليوسفَ - ﷺ -، وَرَدِّه على إِغرائِها ودعوتِها الجريئةِ له لارتكابِ الفاحشة، ولم يَفْهَمْ معنى الهَمِّ المذكورِ في الآية، واعتبرَ حديثَ القرآنِ الخاطئَ متعارِضاً مع حديثِ العهدِ القديمِ الصائبِ في نظره، وأَخَذَ جملةً من آياتٍ عديدةٍ تتحدَّثُ عن المراودة، وفَصلَها عن ما قبلَها واعْتَبَرها خطأً تاريخيّاً في القرآن.
ولا بُدَّ أَنْ ننظرَ في الآيات ِ التي أَخبرتْ عن المراودة، لنعرفَ الهَمَّ
المنسوبَ ليوسفَ - ﷺ -.
قال الله - عز وجل - (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨)
٨٠- يوسف همّ بالفساد
إن يوسف - عليه السلام - هم بالمرأة وهمت به حسبما جاء فى القرآن. وأنه لم يهم بها ولم تهم به حسبما جاء فى التوراة. وما جاء فى التوراة هو المناسب لأحوال الأنبياء.
الرد على الشبهة:
١ - يوجد فرق بين رجل عرف الله ورجل لم يعرفه. فالعارف بالله لا يقدم على معصية لله ولا يقدم على ضرر للبشر. والذى لا يعرفه لا يستحيى أن يفعل ما يشاء من المعاصى والضرر. وعلى هذا المعنى يوجد فرق بين امرأة العزيز التى تعبد مع قومها غير الله وبين يوسف - عليه السلام - الذى عرف ربه بواسطة البراهين التى قادت إلى معرفته فى كونه، وبما سمعه عن الله من آبائه. فامرأة العزيز همت به أن يفعل الفاحشة بها، وهو قد قال لها: (معاذ الله (وعلّل عدم الفعل بأنه يكون مسيئاً لمن أحسن إليه. وهو سيده. والإساءة إلى المحسن نوع من أنواع الظلم.
٢ - انظر إلى قوله: (وراودته) وإلى قوله (معاذ الله) تجد أنها لما راودته (همت به) فيكون الهم منها بمعنى طلب فعل الفاحشة. وتجد أنها لما (همت به) صار منه هم بها. يفسره قوله (معاذ الله) كما فسر همها (وراودته) فيكون همه بها؛ دفعاً لها وامتناعاً عنها.
٣ - ولو فرضنا أن يوسف غير عارف بالله وغير مقر به مثلها؛ فإننا نفرض أنه لو همت به للفعل بها؛ لهم بها للفعل بها. ولولا أنه رأى برهان وجود الله فى كونه، لكان قد فعل بها. إذ هذا شأن الوثنيين. وكهذا البرهان؛ أريناه براهين فى الآفاق وفى الأنفس (لنصرف عنه السوء والفحشاء).
٤ - ولا يمكن تفسير (برهان ربه (بعلامة مجىء سيده إلى بيته؛ لأنه لو ظهرت علامة مجئ سيده؛ ما استبقا الباب: هى للطلب، وهو للدفع. فاستباقهما معناه: أنها تغلق الأبواب وتمنع من الإفلات وهو يحاول الدفع، حتى أنها جذبته من خلف ظهره من ثوبه، وعندئذ (ألفيا سيدها لدا الباب)
وصرح بأنه غير مذنب، وشهد شاهد بالقرائن من أهل الشهادة أنه غير مذنب.
٥ - على هذا يكون القرآن مقراً ببراءة يوسف - عليه السلام - ويكون لفظ الهم فى جانبه على سبيل المشاكلة لأنه صرح قبله بقوله (معاذ الله).
اهـ (شبهات المشككين).