والتاريخُ المُقَدَّسُ يَشْهَدُ له: " كانَ نوحٌ رَجُلاً بارّاً في أَجيالِه " (تكوين: ٦/٩) " (١).
فَهِمَ الفادي الغبيُّ من الآيةِ أَنَ نوحاً يُحِبُّ ضَلالَ الناس، ولذلك دَعا اللهَ
أَنْ يَزِيدَهم ضَلالاً، ونَسَبَ الضلالَ إِلى الله، على أَنَّ اللهَ هو مصدرُ الضَّلال!
واعتبرَ هذا خَطَأً مُنْكَراً مَرْدوداً، ولذلك نَزَّهَ نوحاً عنه!.
إِنَّ نوحاً نبيّ رسولٌ، عليه الصلاة والسلام، وهو حَريصٌ على دعوةِ
الناس، ومحبٌّ لهدايتِهم، وهو لا يُحِبُّ ضَلالَهم وانحرافَهم، وقد بقيَ يدعو
قومَه أَلْفَ سنةٍ إِلّا خمسينَ عاماً، ولم يُؤْمِنْ معه إِلّا عَدَدٌ قليل.
متى دعا نوحٌ - ﷺ - على قومِه بالضلال؟.
بعد أَنْ أَخبرَه اللهُ أَنه لنْ يؤمنَ منهم إِلّا مَنْ قد آمَن، وأَمَرَهُ أَن يَصنعَ
السفينة.
قال تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧).
وهذا مَعْناهُ أَنه مهما دَعاهم فلَنْ يُؤْمنوا به، لاختيارِهم الكُفْرَ والضَّلال،
مهما دَعاهم ورَغَّبَهم وحرصَ عليهم؟
فماذا يفعلُ بعدَ ذلك؟
ليس أَمامَه إِلّاْ الدعاءُ عليهم بالهَلاكِ والفناء.
قال تعالى: (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (٢١) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (٢٢) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (٢٤) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (٢٥) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (٢٨).

(١) جاء في كتاب شبهات المشككين ما نصه:
٨١- نوح يدعو للضلال
إن نوحاً - عليه السلام - قال لله تعالى: (ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً) ؛ فكيف يدعو نوح ربه أن يزيد الناس ضلالاً؟
الرد على الشبهة:
إن نوحاً لم يدع ربه أن يزيد الناس ضلالاً، وإنما دعا على الظالمين من الناس. ومثل ذلك: ما فى التوراة عن الأنبياء فإنهم دعوا على الظالمين، ولم يدعوا على كل الناس. ففى المزمور الثامن عشر: " من الرجل الظالم تنقذنى " - " مثل طين الأسواق؛ اطرحهم "، وفى الإنجيل يقول المسيح لله عن الذين آمنوا به: " احفظهم فى اسمك الذين أعطيتنى " [يو ١٧: ١١] ولم يدع للكل. اهـ (شبهات المشككين).


الصفحة التالية
Icon