لأنه ساق الآية هنا مع التغير اليسير في معنى ممدوح وهو الثناء على الرب جل وعلا لأنه لَمَّا بدأ بالبسملة - لِمَا سقناه من الأدلة أو الآثار - أراد أن يثني على الرب جل وعلا، والمراد به أن يحصل بما يذكره الثناء فيحصل الحمد حينئذ لأن السنة عندهم على تقسيم الحديث السابقة «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ: بسم الله». في بعض الروايات: «بالحمد لله». حينئذ كان من المستحسن أن يجمع بين البسملة والحمد، والمقصود بالحمد هل المقصود به لفظ الحمد عينه أم بما يدل على الحمد وهو الثناء؟
لا شك أنه الثاني، وخصَّه بعضهم بالأول والصواب الثاني، أن المراد به الثناء حينئذ أراد أن يثني على الرب جل وعلا فأتى بهذا الاقتباس إذًا نقول: هو ممدوح وهو محمود ولذلك ذكره هنا (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ ** على النَّبِيِّ).
(تَبارَكَ) تفاعل مأخوذ من البركة المستقرة الثابتة الدائمة. قال أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى: وهو كقول القائل تَقَدَّس ربنا. إذًا تبارك بمعنى تقدس وتعالى وتعاظم أي تبارك - هذا كلام الطبري - أي تبارك الذي نزل الفصل بين الحق والباطل فصلاً بعد فصلٍ وسورة بعد سورة، هذا المأخوذ فصلاً بعد فصلٍ وسورة بعد سورة مأخوذ من قوله: ﴿نَزَّلَ﴾. لأن التنزيل تفعيل من التكثير والتكرار لأن صيغة فَعَّلَ - كما سبق معنى في البناء - أنه يأتي للتكثير حينئذ التكثير يحصل بماذا هنا؟ ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾ [الفرقان: ١] يحصل بماذا؟
يحصل بكونه فصلاً بعد فصلٍ، سورة بعد سورة، آيات بعد آيات، يعني كونه نزل منجمًا وهذا سيأتي.
﴿تَبَارَكَ﴾ عرفنا المراد بتبارك.
﴿الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾ نزل فعل من التكرر والتكثير كقوله: ﴿وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ﴾ [النساء: ١٣٦] انظر فَرَّق نَزَّل وأنزل ما الفرق بينهما؟
﴿نَزَّلَ﴾ هذا فيه إشارة إلى كونه نَزَلَ منجمًا مفرقًا و ﴿أَنزَلَ﴾ جملة واحدة، ﴿وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ﴾ لأن الكتب المتقدمة كانت تنزيل جملة واحدة والقرآن نزل منجمًا مفرقًا مفصلاً آيات بعد آيات وأحكامًا بعد أحكام وسور بعد سور، وهذا أشد وأبلغ وأشد اعتناءً بما أُنْزِلَ عليه كما قال جل وعلا في أثناء السورة: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾ [الفرقان: ٣٢، ٣٣]. ولذلك سماه هنا الفرقان سماه فرقانًا لأنه يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال والغيِّ والرشاد والحلال والحرام، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ أتى بوصف العبودية لأنه صفة مدح وثناء لماذا؟


الصفحة التالية
Icon