لَمَّا تقدم المعمول على عامله والأصل تأخيره ضَعُفَ، فإذا ضَعُفَ احتاج إلى تقوية وإلا الأصل إن كنتم الرؤيا تعبرون فحينئذٍ الأصل تعبرون الرؤيا، فلما قُدِّمَ الرؤيا تعبرون ضَعُفَ العامل لأنه عمل أو لأن عمله فيما بعده ليس كعمله فيما قبله، ففرق بين أن يقال: (إن كنتم تعبرون الرؤيا)، (إن كنتم الرؤيا تعبرون) فرقٌ بينهما تعبرون الرؤيا عمل على وضعه وترتيبه اللغوي والعقلي لماذا؟
لأن شأن العامل أن يكون متقدمًا على المعمول لغةً وعقلاً وطبعًا، فإذا قُدِّمَ المعمول حينئذٍ يعمل فيما قبله وهذا خلافٌ الأصل، فلما تقدم معموله عليه - وهو خلاف الأصل - ضَعُفَ العامل على أن يعمل فيه فاحتاج إلى ماذا؟ إلى تقوية.
إذًا ﴿إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا﴾ [يوسف: ٤٣] اللام حرف جر زائد تقوية أو صلة أو تأكيد، والرؤيا مفعولٌ به ولو دخلت عليه اللام، وتعبرون فعل وفاعل.
﴿لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] يرهبون ربهم - هذا الأصل -للذين هم ربَّهم يرهبون هذا الأصل لكن لَمَّا ضَعُفَ العامل عن إدراك ما قبله كما هو عمله فيما بعده على الأصل عُدِّيَ بماذا؟ بلام التقوية وهي زائدة لكنها قياسية.
هذان النوعان قياسيان متى؟
إذا كان العامل اسمًا فحينئذٍ لو تأخر المعمول حَسُنَ تقويته بماذا باللام، مثل قوله تعالى: ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [البقرة: ٩٧]. ونحن الآن في علوم القرآن ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾، ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: ١٦]، ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا﴾ تقول: اللام حرف جر زائد صلة تأكيد، وما هذا مفعولٌ به، ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: ١٦] ما، نقول: هذا مفعولٌ به واللام هنا حرف جر زائد صلة توكيد يعني جاء به للتقوية فقط، كذلك إذا كان العامل فعلاً وتقدم معموله عليه كما في قوله تعالى: ﴿إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [يوسف: ٤٣]، ﴿لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] هذا قياس.
وأما السَّماعي فهو إذا كان الفعل هو العامل والمعمول متأخر حينئذٍ يكون زيادةٌ اللام سماعية لا قياسية، يعني تُحْفَظُ ولا يقاس عليها.
ضربت لزيدٍ هذا سماعي لا قياسي، ضربت لزيدٍ ضَرَبْتُ فعل وفاعل واللام حرف جر زائد صلة توكيد تقوية، زيدٍ وهذا مفعولٌ به لكن هل يحسن زيادة اللام في هذا التركيب؟
الجواب: لا.
لماذا؟
لكون العامل فعل لانتفاء النوعين السابقين لكون العامل فعلاً لا اسمًا، وهو الأصل في العمل لكون المعمول متأخرًا، إذا كان العامل على أصله قويٌ فلم يَضْعُفْ لكونه اسمًا، ولم يضعف عن إدراك معموله لكونه متقدمًا، فجاء على الأصل فحينئذٍ زيادة اللام تكون شاذة يُحْفَظُ ولا يقاس عليه، ويعبر عنها بأنها سماعية.
(الْمُنْزِلُ للفُرقانِ) قياسية أو سماعية؟