يعني أتى بعد الثناء على الله تعالى بما هو أهله عقبه بالصلاة على النبي - ﷺ - إظهارًا لعظمة قدره وأداءً لبعض حقوقه الواجبة إذ هو الواسطة بين الله جل وعلا وبين عباده بمعنى أنه مُبَلِّغٌ للشرع لأنه يصح أن يقال الأنبياء والرسل وسائط بين الرب جل وعلا لا لكون العبادة تُصْرفُ إليهم، لا، وإنما لكونهم مبلغين لأنه لا تعرف العبادة ولا يُعرف الوحي إلا عن طريق الأنبياء والرسل حينئذٍ صاروا وسائط كما أن الصحابة وسائط في معرفة الشرع هم نقول: حملة الشرع وهم وسائط بين النبي - ﷺ - ومن بعدهم. كذلك الأنبياء وسائط بين الخلق وبين الخالق جل وعلا لا لكونهم وسائط تصرف إليهم العبادة فيوصلون إلى الله عز وجل كما يظن أهل الشرك، لا. وإنما المراد أنه وسائط في تبليغ العلم والشرع بمعنى أن الرب جل وعلا اصطفى من الخلق من يُوحي إليهم ثم بواسطتهم يصل العلم الشرعي إلى جميع الناس، وجميعٌ النعم الواصلة إليهم التي من أعظمها الهداية للدين القويم إنما هي به وعلى يديه عليه الصلاة والسلام وامتثلاً لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: ٥٦].
(عليهِ صَلَّى اللهُ معَ سَلامٍ) إذًا جمع بين الصلاة والتسليم امتثالاً للآية المذكورة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: ٥٦]. فحينئذٍ يكون الجمع بينهما هو الأكمل في الامتثال واشتهر عند كثير من المتأخرين أنه يكره إفراد الصلاة عن السلام والسلام عن الصلاة بحجة ماذا؟