أن قوله: (فَهذِهِ مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ) إشارة إلى شيء لم يوجد بعد، (واللهَ) لا غيره أستهدي، من أين أخذنا لا غيره؟
تقديم ما حقه التأخير، اللهَ علم منصوب على التعظيم مفعول به لأستهدي ولا يصح أن يكون من باب التنازع كما ذكر الشاعر.
(واللهَ أَسْتَهدي) أي: أطلب الهداية والتوفيق للصواب منه لا من غيره سبحانه وتعالى لأنه محل سؤال الهداية.
(وأَسْتَعِيْنُ) أستعون أستعين أي: أطلب منه الإعانة، إذًا طلب الهداية وهي محل للتوفيق للصواب وطلب الإعانة في الإقدام على الفعل لماذا؟
لأن كل عمل - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى -: لا بد له من إرادة جازمة وقدرة كاملة. وكل من تخلف في فعل ما فلا بد أن يرجع إلى هذين النوعين إما الإرادة غير الجازمة وإما القدرة غير كاملة وهذا تستخدمه حتى في طلب العلم إذا أردت أن تحفظ فنًا ما علمًا ما متنًا تحضر درسًا ما فلم يتم لك فإما لكون الإرادة غير جازمة وإما لكون القدرة غير كاملة لا بد من أحد هذين الأمرين حينئذ (واللهَ أَسْتَهدي) أي: أطلب منه التوفيق للصواب (وأَسْتَعِيْنُ) أي: أطلب منه الإعانة لماذا؟
لأنه سبحانه الهادي، وهذا اسم من أسماء الرب جل وعلا لأنه اللام للتعليل وأستعينه هنا الضمير محذوف لأننا إذا نصبنا الأول (اللهَ أَسْتَهدي) على أنه مفعول به لأستعين وقلنا: لا يصح على قول الجماهير أن يكون من باب التنازع لأنه من المنصوبات والتنازع يكون في المرفوعات وهنا (واللهَ أَسْتَهدي وأَسْتَعِيْنُ) أين المفعول به؟ محذوف وأستعين الله وأستعينه حذف الضمير للعلم به وحذف ما يعلم جائز (وَحَذْفٌ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يُضَرّ) لأنه سبحانه الهادي اسم من أسمائه جل وعلا الدال على الحق لأنه اسم فاعل مشتق من الهدى مع مصدر كالشورى والتقى وهو من أسمائه تعالى أي: الذي بَصَّرَ عباده وعرفهم طرق معرفته حتى أقروا بربوبيته وهذا كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام وجوده، وهو المالك سبحانه وتعالى لمطلق الهداية بنوعيها هداية دلالة والإرشاد، وهداية التوفيق وانشراح الصدر والقلب بقبول الحق.
والثانية مختصة به جل وعلا والأولى مشتركة بين الرب جل وعلا والخلق ولذلك جاء نفيها وإثباتها يعني الهداية مطلق الهداية في حق النبي - ﷺ - ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] هذا إثبات الهداية ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] نفيت الهداية هذه المحل واحد؟
الجواب: لا، ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي﴾ أي: دلالة إرشاد وبيان وإيضاح وهذه مشتركة وهي وظيفة الرسول والعلماء والصلحاء وكل من عنده علم لا يشترك في مطلق هذه الهداية هداية الدلالة والإرشاد، وأما ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي﴾ بمعنى: أنك لا تشرح قلوب العباد لقبول الحق وأما كون العبد ينشرح قلبه وصدره فهذا ليست للخلق لأنه الهادي وحده جل وعلا، عرف الجزأين أين الجزءان؟


الصفحة التالية
Icon