(مَا جَاءَ كِالمِشْكاةِ في التَّعْرِيْبِ) وهذا واقع في القرآن (مَا جَاءَ) إشارة إلى بعض أمثلة الْمُعَرَّب (مَا جَاءَ) يعني: لفظ جاء في القرآن لفظ جاء يعني: ثبت تعني إذا جاء المجيء أصله حسي في مثل هذه المواضع لكن هنا يأتي بمعنى ثبت، (مَا جَاءَ) في القرآن يعني: ما ثبت في القرآن (كِالمِشْكاةِ) كلفظ المشكاة والكاف هنا تمثيلية (كِالْمِشْكاةِ) هذا في سورة النور ﴿نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ [النور: ٣٥] كمشكاة معناها في لغة الحبشة الكوة كما أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد، كوة هذه فتحة في الجدار توضع فيها بعض الخزائن موجود إلى عهد قريب. إذًا المشكاة هذه معناها في لغة الحبشة ماذا؟ الكوة تُستعمل عندهم بهذا المعنى وتستعمل عندنا بهذا المعنى في لغة العرب (كِالْمِشْكاةِ) (مَا جَاءَ) يعني: لفظ جاء أو ألفاظ جاء في القرآن... (كِالْمِشْكاةِ) من الألفاظ المستعملة في لغة أخرى كالحبشة (في التَّعْرِيْبِ) أي معدود في اللفظ الْمُعَرَّب على القول به، لكن ليس ثَمَّ خلاف بين أهل العلم في وجود الْمُعَرَّب وعدمه في القرآن، يعني لا ينبني عليه أي خلاف ولذلك صاحب المراقي لما ذكر الخلاف.
وذاك لا يُبنى عليه فرع... حتى أبى رجوع درّ ضرع
وذاك لا يُبنى عليه فرع يعني الخلاف في هذا الْمُعَرَّب أو لا حتى أبى رجوع درً ضرع حتى يرجع اللبن في الضرع فإن رجع اللبن في الضرع فحينئذٍ ينبني الخلاف وإلا فلا خلاف. لكن يبقى هل مدلول قوله: ﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ هل يشمل بعض الألفاظ أو لا؟
نقول: الظاهر أنه لا يمنع ولذلك نقول: لا بأس بالقول بأن القرآن فيه مُعَرَّب.
(أَوَّاهُ) يعني وأواه. أواه هذه في سورة التوبة ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٤] معناه في لسان الحبشة الموقن في لسان الحبشة، كما روي عن ابن عباس أو معناه الرحيم بلغة الحبشة أيضًا كما روي عن عمرو بن شراحبيل، (أَوَّاهُ) بفتح الهمزة وتشديد الواو.
(والسِّجِلُّ) بكسر السين وشد اللام السِّجلُّ ﴿كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] هذه في الأنبياء ومعناه الرجل بلغة الحبشة كما رُوِيَ عن ابن عباس أو الكتاب كما نُقل عن ابن الجني وقيل: فارسي مُعَرَّب. يعني: إما أنه حبشي وإما أنه فارسي.
(ثُمَّ الكِفْلُ) ثم بمعنى الواو (ثُمَّ الكِفْلُ) بكسر الكاف وإسكان الفاء معناه الضِّعف بكسر الضاد بالحبشية روي عن أبي موسى الأشعري وهذا جاء في سورة الحديد ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ﴾ [الحديد: ٢٨] ضعفين وجاء كذلك في النساء ﴿يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا﴾ [النساء: ٨٥] ضِعْف.
(كذلكَ القِسْطاسُ وهوَ العَدْلُ)، (كذلكَ) منه القسطاس كذلك أي مثل ذلك المذكور السابق في كونه مُعَرَّبًا الْقِسْطاس وقد جاء في سورة الإسراء ﴿وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ [الإسراء: ٣٥] فسره بقوله: (وهوَ العَدْلُ). وهو أي: القسطاس العدل بلغة الروم كما رُوِيَ عن مجاهد، وعن سعيد بن جبير أنه بلغة الروم: الْمِيزَان. ولذلك كل من يُنقل عنه هذه الألفاظ تضمه إلى القائلين بوجود الْمُعَرَّب في القرآن سعيد بن جبير، وابن عباس، وأبي موسى الأشعري، ومجاهد... إلى آخره.


الصفحة التالية
Icon