لأن المجاز هو اللفظ المستعلم في غير ما وُضِعَ له أولاً، والحذف هل استعمل في غير ما وضع له أولاً، قالوا: لا، إذًا لا يمكن أن يكون الحذف مجازًا. قال ابن عطية: حذف المضاف هو عين المجاز ومعظمه، وليس كل حذفٍ مجاز. قال ابن عطية: حذف المضاف هو عين المجاز، يعين أكثر المجاز حذفٌ ومعظمه وليس كل حذفٍ مجازًا، هذا نعم صحيح، المجاز قد يكون حذفًا وليس كل حذفٍ مجازًا، المجاز قد يكون بالحذف ولكن ليس كل حذفٍ مجاز، ولذلك قسم القرافي الحذف باعتبار كونه مجازًا أو لا إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: قسمٌ يَتَوَقَّفُ عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد. يعني: لا يفهم اللفظ من حيث الإسناد إلا بهذا المحذوف لا بد أن نقدر، لا بد أن نجعل في اللفظ ما هو محذوف ومثل له بقوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾... [يوسف: ٨٢]. قرية في أصل وضعها للبنيان والجدران قالوا: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾. كيف يسأل الجدران؟ قال: لا بد من حذف. أي: اسأل أهلها أهل القرية أي اسأل أهل القرية ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ أي واسأل أهل القرية. إذ لا يصح إسناد السؤال إليها، هذا هو النوع الأول وهو ما يَتَوَقَّفُ صحة اللفظ ومعناه عليه على المحذوف.
القسم الثاني: قسمٌ يصح بدونه لكن يَتَوَقَّفُ عليه شرع يصح اللفظ والإسناد بدونه يعني بدون هذا المحذوف لا نقدره، يمكن لا نجعله من المحذوف لكن يَتَوَقَّفُ عليه شرع، ومثل له بقوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾... [البقرة: ١٨٤]. يمكن ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ من جهة الإسناد يمكن أن يُلزم لو لم يكن شرع يمكن أن يُلزم بالصيام بالقضاء ولو لم يذكر كما قال ابن حزم رحمه الله قال: كل من صام في السفر أو كان مريض فعليه أن يقضي ولو صام في رمضان لماذا لقوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾. يعني: فعليه عدة من أيام أُخر لأنه علقه بماذا؟ ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾. إذا وجد المرض فعدةٌ من أيام أخر ولو صمت هذا الظاهر أليس كذلك؟
لكن الجمهور على ماذا؟
على أن ثم دلالة اقتضاء هنا، فأفطر، هذا لا بد من تقدير محذوفٍ، هذا المحذوف ما الذي يَتَوَقَّفُ عليه هل هو من جهة صحة المعنى أو من جهة الشرع؟
من جهة الشرع هذا هو القسم الثاني، يصح بدونه يعني إسناد بدون المحذوف لكن يَتَوَقَّفُ عليه شرعًا كقوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾.
القسم الثالث: يَتَوَقَّفُ عليه عادةً لا شرعًا. عكس الثاني يتوقف عليه عادةً على المحذوف يعني لا شرعًا يتوقف عليه عادةً لا شرعًا نحو ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ﴾ [الشعراء: ٦٣] هذا دائمًا يدخلوه في فاء الفصيحة... ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ﴾، ﴿اضْرِب﴾ ﴿فَانفَلَقَ﴾ أليس كذلك؟ يعني هل الانفلاق هنا حصل جواب اضرب أو اضرب فضرب فانفلق؟
الثاني، إذًا لا بد من تقدير، إذ لم تقدر حينئذٍ صار ﴿فَانفَلَقَ﴾ جوابًا للأمر الرب جل وعلا ﴿اضْرِب﴾، ﴿فَانفَلَقَ﴾ لكن اضرب فضرب فانفلق، واضح هذا توقف عليه عادةً لا شرعًا.


الصفحة التالية
Icon