حينئذٍ نقول: ومعرفة هذا الفن ضرورية للمفسرين. قال الزركشي رحمه الله: يحتاج الكاشف عن ذلك إلى معرفة علم اللغة أسماءً وأفعالاً وحروفًا. يحتاج الكاشف عن ذلك يعني: الباحث عن الغريب غريب القرآن إلى معرفة علم اللغة أسماءً وأفعالاً وحروفًا، واتفقوا على أن أولى ما يرجع إليه في ذلك ما ثبت عن الصحابة وخاصة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وأصحابه الآخذين عنه، فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن بالأسانيد الثابتة الصحيحة، وقد استوفى السيوطي رحمه الله في (الإتقان) كل ما ورد عن ابن عباس من الفاتحة أو البقرة إلى سورة الناس القرآن كله بالأسانيد الصحيحة الثابتة عن ابن عباس، كل ما ورد من لفظ غريب في القرآن فهو موجود في ذلك الكتاب عن ابن عباس على جهة الخصوص.
(الأول والثاني: الغَريبُ والْمُعَرَّب) إذًا الغريب هذا علم من علوم القرآن، والمراد به معنى الألفاظ التي يحتاج إلى البحث عنها في اللغة يعني يحتاج المفسر. إلى البحث عنها في اللغة ومرجعه حينئذٍ النقل مرجعه النقل، لكن يرد إشكال إذا قيل: بأن في القرآن غريبًا ومعلوم أن من شرط الفصاحة خلوصه من التنافر الكلمي - يعني الكلمة - من التنافر والغرابة والْخُلْف الذي هو مخالفة القواعد العامة.

فصاحة المفرد أن يخلص من تنافر غرابة خلف زكن
قال: غرابة. إذًا من شرط الفصاحة ماذا؟ خلوص الكلمة عن الغرابة وإذا وجدت الغرابة في الكلمة انتفت فصاحتها وانتفى ماذا؟ فصاحة الكلام. فإذا علمنا ذلك كيف نُثبت أن في القرآن ما هو غريب ويحتاج إلى التنقير والبحث في كتب اللغة، أليس هذا بإشكال؟
الغرابة التي تنفى في باب الفصاحة - هناك هي: الغرابة الوحشية: - ألا تكون الكلمة وحشية غير مأنوسة الاستعمال أن تكون الكلمة وحشية بمعنى أنها غير ظاهرة المعنى ما يُعرف معناها أصلاً بمعنى أنه لا يعرف معناها الذي وضع له اللفظ في لغة العرب، وقلنا: غير ظاهرة المعنى هذا احترزنا به عن المتشابه ذكرناه بالجوهر عن المتشابه والْمُشْكِل والْمُجْمَل لماذا؟ لأن هذه الثلاثة تدل على معنى وضع له اللفظ في لغة العرب، ولكن الذي لم يفهم أو لم يعرف أو أشكل ما هو دلالة اللفظ على المعنى المراد، أما المعنى الذي وضع له في لغة العرب هذا مفهوم ﴿ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] المعنى الذي وضع له القرء في لغة العرب الطهر أو الحيض. إذًا معلوم المعنى الموضوع له بلغة العرب أو لا؟ موضوع، لكن ما المراد هنا؟ نقول: هذا مجمل لماذا؟ لكونه غير ظاهر المراد من اللفظ، وأما المعنى الذي وضع له في لغة العرب فهو معلوم، ولذلك مَثَّلوا له بقول عيسى ابن عمر لما سقط عن الحمار:
ما لكم تَكَأْكَأْتُم عليَّ تَكَأْكُأْكُمْ على ذي مرة، افرنقعوا - افرنقعوا هكذا - افرنقعوا عني.
تكأكأتم هذه أين نبحث عنها؟ ما تفهم كذا معناها الأصلي الذي وضع لها في كلم العرب لا يُدْرَى إلا بالرجوع إلى مواضع المفردات.


الصفحة التالية
Icon