وذكرنا أن القول الراجح هو الأول وهو مذهب جمهور أهل العلم، والقول الثاني هو مذهب ثعلب والأبهري والبلخي مطلقًا، وحجتهم أن الاشتراك يُخِلُّ بفهم المراد من اللفظ، قالوا: الاشتراك إذا وضع اللفظ للدلالة على معنيين فأكثر يُخِلُّ بفهم المراد لو قال قائل: عندي عين. وعين هذا لفظ مشترك بين الباصرة، والجارية، والذهب... إلى آخره، حينئذٍ إذا قلت: أريد أن أحبر غيري عندي عين فماذا سَيَفْهَم؟ هو يعلم أن عندي عين ويراني كيف يحمل على الباصرة فصار من تحصيل الحاصل، فيحتمل يحتمل أن يكون المراد به الباصرة ويحتمل أن يكون المراد به الجارية أو الذهب أو غير ذلك، ثلاثون معنى بلفظ العين إذًا منعوه لماذا؟ لكونه يُخِلُّ بفهم المراد من اللفظ لاحتمال أن يكون لكل من مَعْنَيَيْ المشترك، وأجيب عن هذا الاعتراض بأنه يتعين أحد معنييه بالقرينة ليس فيه ماذا؟ ليس فيه إخلال بالفهم، بل لو قال: عندي عين واسعتين. حينئذٍ يحمل على العين الباصرة، إذًا بالقرينة تعين أحد المعنيين أو المعاني، إذا لم يكن قرينة ليس كل مشترك قد وجدت معه قرينة إذا لم يكن قرينة حينئذٍ ثم مسألة أخرى وهي: هل يجوز حمل المشترك على معنييه أو معانيه مطلقًا في لفظ واحد في وقت واحد من متكلم واحد، هذه محل خلاف والأصح الجواز. وحكى شيخ الإسلام ابن تيمية أن مذهب أئمة الأربعة على هذا وهو رأي الشافعي كما هو في ((الرسالة))، فإذا قال: عندي عين. حُمِلَ العين على كل المراد من لفظ العين الباصرة والجارية إلى آخره هذا هو الأصل فيه، فحينئذٍ إذا قيل بأن اللفظ المشترك يُخِلُّ بفهم المراد نقول: لا، يُمْنَع هذا لأنه إمَّا أن يكون بقرينة قُيِّدَ بقرينة أو لا؟ فإن قيد بقرينة فقد تعين فحينئذٍ لا يُخِلُ بفهم المراد، وإن لم يقيد بقرينة فحينئذٍ نقول: الأصح والصواب أنه يُحْمَلُ اللفظ على معنييه فأكثر. لكن هذا بخير إذا لم يكن تنافي بين المعنيين أو المعاني، فلو قيل: أقرأت المرأة. أقرأت اشتراك قد يقع في الفعل وقد يقع في الاسم وقد يقع في الحرف إذا قيل: أقرأت المرأة نحملها على أي المعنيين؟ هنا مشترك الفعل هنا لا بد من قرينة تُعَيِّنُ أن المراد به ماذا؟ إما الطهر، وإما الحيض لماذا؟ لأنه يمتنع حمل اللفظ على معنييه لماذا؟ لأنه لا يمكن أن تكون حائض وطاهر في وقت واحد لا يمكن أن تكون حائضًا طاهرًا في وقت واحدًا حينئذٍ إذا قيل بأن المشترك اللفظ المشترك القول به يؤدي إلى إخلال فهم اللفظ أو المعنى المراد من الكلام نقول: الجواب عن هذه الشبهة بأن المشترك إما أن يُقَيَّدَ بأن تكون معه قرينة تعين المراد أو لا، فإن قُيِّدَ بقرينة فحينئذٍ نقول: قد تعين المراد بوجود هذه القرينة وإن لم توجد فحينئذٍ إما أنه يمكن حمل اللفظ على معنييه أو معانيه بشرط عدم التنافي، وهذا هو الأصح أن يُحْمَل عليه وإما أنه إذا كان تنافي بين المعاني فلا بد من قرينة ولا يصح إطلاقه أصلاً هذا القول الثاني.


الصفحة التالية
Icon